حجُّ الحادَّة (المُعتدَّةِ) من وفاة
كتبته : د. ميادة محمد الحسن
سؤال:
امرأة سجَّلَت على الحج هي وزوجها، ودفعا المال سلفا كالعادة في زماننا، فمات الزوج قبل أن يخرجا… فهل تمكث بعدتها وتضيع حج الفريضة والمال؟
الجواب:
هذه المسألة مبنية على مسألة: هل يجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزل الزوج؟ أو لها الاعتداد حيث شاءت؟
فمن يرى وجوب الاعتداد في بيت الزوج لم يجز لها الخروج إلى الحج إذا توفي الزوج عنها وقد عزمت الحج بل حتى لو كانت على مسافة القصر من بلدها أوجب عليها الرجوع.
ومن رأى أنها غير ملزمة بالاعتداد في بيت زوجها وأن لها الاعتداد حيث تشاء أجاز لها الخروج للحج.
ففي المسألة إذن قولان، تفصيلهما كما يلي:
_ القول الأول: ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والحنابلة أن المعتدة من وفاة لا تخرج إلى الحج ، لأن الحج لا يفوت، والعدة تفوت.
قالوا: وهو ما روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، وهو قول ابن المسيب والثوري. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَال: تُوُفِّيَ أَزْوَاجٌ نِسَاؤُهُنَّ حَاجَّاتٌ أَوْ مُعْتَمِرَاتٌ، فَرَدَّهُنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ.
فَإِذَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الْحَجِّ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ بِالْقُرْبِ، أَيْ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرِ الصَّلاَةِ، رَجَعَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ؛ لأِنَّهَا فِي حُكْمِ الإْقَامَةِ… وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَبَاعَدَتْ بِأَنْ قَطَعَتْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ، مَضَتْ فِي سَفَرِهَا؛ لأِنَّ عَلَيْهَا فِي الرُّجُوعِ مَشَقَّةً، فَلاَ يَلْزَمُهَا.
فَإِنْ خَافَتْ أَنْ تَتَعَرَّضَ لِمَخَاطِرَ فِي الرُّجُوعِ، مَضَتْ فِي سَفَرِهَا وَلَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً؛ لأِنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي رُجُوعِهَا. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَزِمَتْهَا الإْقَامَةُ؛ لأِنَّ الْعِدَّةَ أَسْبَقُ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَقُولُونَ: إِذَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ بِأَنْ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، بَقِيَتْ عَلَى مَا هِيَ فِيهِ، وَلاَ تَرْجِعُ لِمَسْكَنِهَا لِتَعْتَدَّ بِهِ؛ لأِنَّ الْحَجَّ سَابِقٌ عَلَى الْعِدَّةِ. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بَعْدَ مُوجِبِ الْعِدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ أَوْ وَفَاةٍ، فَإِنَّهَا تَمْضِي عَلَى إِحْرَامِهَا الطَّارِئِ، وَأَثِمَتْ بِإِدْخَال الإْحْرَامِ عَلَى نَفْسِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ بِخُرُوجِهَا مِنْ مَسْكَنِهَا.
يُنظر: الموسوعة الفقهية الكويتية جزء 2 صفحة (111- 112)
_ القول الثاني: ما ذهب إليه أهل الظاهر، حيث قال ابن حزم في حق المتوفى عنها زوجها والبائن والمختلعة: ولا سكنى لهن لا على المطلق ولا على ورثة الميت ولا على الذي اختارت فراقه، ولا نفقة، ولهن أن يحججن في عدتهن وأن يرحلن حيث شئن
يُنظر: المحلَّى (جزء 10 صفحة 282)
وأورد عددا من الآثار، منها: عن عائشة أم المؤمنين أنها حجت بأختها أم كلثوم امرأة طلحة بن عبيد الله في عدتها في الفتنة، ومنها: من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تفتى المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها وخرجت بأختها أم كلثوم حين قتل عنها طلحة بن عبيد الله بن عبد الله إلى مكة في عمرة.
ومنها: عن ابن عباس أنَّه قال: إنَّما قال الله عز وجل تعتد (أربعة أشهر وعشرا) ولم يقل تعتد في بيتها فلتعتد حيث شاءت.
ومنها: عن حبيب المعلم قال سألت عطاء عن المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها أيحجان في عدتهما؟ قال نعم: وكان الحسن يقول مثل ذلك.
ينظر: المُحلَّى جزء 10 صفحة (284-285)
وأورد ابن عبد البر قول ابن حزم في الاستذكار, فقال: وفي هذه المسألة قول ثان روي عن علي بن أبي طالب وبن عباس وعائشة وجابر بن عبد الله أنهم قالوا: تعتد المتوفى عنها زوجها حيث شاءت، وليس عليها السكنى بواجب في بيتها أيام عدتها، وبه قال الحسن البصري وجابر بن زيد وعطاء بن أبي رباح، وإليه ذهب داود وأهل الظاهر قالوا : لأن السكنى إنما ورد في القرآن في المطلقات، وليس للمتوفى عنها زوجها سكنى.
قالوا والمسألة مسألة خلاف، وإيجاب السكنى إيجاب حكم، والأحكام لا تجب إلا بنص كتاب أو سنة ثابتة أو إجماع.
[الاستذكار جزء 6 صفحة 215 بحروفه]وبالنظر إلى أن واقع الحج في عصرنا يتطلب إجراءات طويلة وموافقات وكذلك بذل للمال سلفاً وحيث إنه اختلف في وجوب اعتداد المرأة في بيت زوجها
يظهر -والله أعلم-: جواز أن تسافر المرأة المعتدة من وفاة لحج الفريضة إذا كانت قد غرمت المال قبل وفاة الزوج ، وذلك للأمور التالية:
1-أن وجوب حفظ المال متفق عليه، ووجوب اعتداد المتوفى عنها زوجها في بيت الزوج مختلف فيه، فيقدم المتفق عليه على المختلف فيه.
2-أن الإتيان بحج الفريضة واجب محتم حتى أن من الفقهاء من أجاز خروج المرأة له دون محرم برفقة امرأة أو نسوة ثقات، فينبغي إجازته مع العدة لأنه في أيامنا فوات الحج غالبا لا يعوَّض، خاصة إذا ذهب المال وصاحب المال ( الزوج أقصد).
3-في إجازة الحج للمرأة المتوفى عنها زوجها خلال عدتها تحقيق مصلحة إسقاط فرض الحج المحتمل تعذرها مستقبلاً مع المحافظة على واجب العدة من التربص بالنفس عن النكاح وتجنب الزينة ودواعي النكاح.
الأمر الوحيد الذي لم يلتفت إليه هو: وجوب المبيت في بيت الزوج، وهذا لا يلغي العدة كلياً.
4-نص المالكية على أن المرأة إذا مات زوجها وقد أحرمت فإنها تمضي في النسك، كما نص غيرهم على أنَّها إن تجاوزت مسافة القصر ومات زوجها فلا ترجع، وفي قولهم هذا دليل على أن فوات الاعتداد ببيت الزوج أمر قابل للتنازل عنه، ما دام أصل العدة من التربص بالنفس عن النكاح موجوداً، فنلحق حالة الغرم بكلفة الحج والمشاق الإدارية المصاحبة له بحالة التباعد سفراً أكثر من مسافة القصر.
والله تعالى أعلم
مدار قول الفقهاء أنه يمكن تأجيل الحج ولا يمكن تأجيل العدة ، وذلك أنه الحج في عصرهم لا يحتاج لموافقات والدفع سلفا. أما في عصرنا بالحج أصبح تأجيله أمر فيه مشقة مالية و مشقة عند الدوائر الحكومية . والمشقة تجلب التيسير .
فتوى موفقة بارك الله بكم