#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
المال الحرام
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 17 دقيقة.
التاريخ: 29/شوال/1439هـ
الموافق: 13/تموز/2018م
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ الأمر بتحري الحلال الطيِّب.
2️⃣ أصناف من المال الحرام المنتشرة في مجتمعنا.
3️⃣ عقوبة أكل المال الحرام وإطعامه للأولاد.
4️⃣ قلَّة التوفيق وعدم إجابة الدعاء.
5️⃣ فالنار أولى به.
6️⃣ يأبى إلَّا أن يعصي الله.
7️⃣ حكم من يجمع المال من الحرام ويتصدق به أو منه.
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
🔟 دعاء
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
- ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمَالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كرِه المُشرِكون، فصلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبِين الطاهِرين، وأصحابِه الغُرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربِهم واهتدى بِهُداهم إلى يوم الدين، أمَّا بعدُ إخوة الإيمان؛ يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) [البقرة: 168-169].
ويقولُ -عزَّ مِن قائل- : ((لشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) [البقرة : 268].
إخوة الإيمان والعقيدة، روى الإمام التِّرمِذيّ في سُننه والإمامُ أحمدُ في “مُسنده”، أنَّ النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ((إنَّ لكلِّ أُمَّةٍ فتنةً، وإنَّ فتنةَ أُمَّتي المالُ)).
قال تعالى: ((فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20))) [الفجر: 15-20].
تُحِبون المال حُبًّا يدفعكم لمعاداة إخوانكم، ولقطيعة أرحامكم، بل وللاعتداء على جيرانكم والتسلُّطِ على ضعفائكم، حتى بلغ الأمرُ مبلغَ أن تسفكوا دماءكم، والله خبيرٌ بما تعملون!!
الله تعالى خبيرٌ بما تعملون، خبيرٌ بحال المؤمن الذي يتحرَّى الحلال الطيب، وخبيرٌ بحال المنافق الفاسِق المتساهِل في أكل المال الحرام؛ وخبيرٌ بحال من لا يتنزَّه عن الشُّبهات، وفي البخاري أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ((ليأتينَّ على الناس زمانٌ، لا يبالي المرءُ بما أخذَ المالَ: أمِنَ الحلال أم مِنَ الحرام)).
وتالله أيّها السادة هذا ما نشهده ونراه في زماننا عُموما، وفي حالنا خُصوصًا، نرى النَّاس وقد تجرَّأوا على الحرام، نرى النَّاس وقد تجرَّأوا على حقوق بعضهم بعضًا، نرى الناس وقد تساهلوا في أخذِ ما ليس لهم، وفي بيع مالا يملكون، وفي شراء ما تيقَّنوا سرِقته، وفي معونة من يقطع الطريق ويأخذُ المكوسَ ويفرِضُ الأتاوات على الناس… لا يتورَّعون عن الحرام، تساهلوا في أخذ ما ليس لهم، تساهلوا في أكل مال الأرامل والأيتام والمساكين… ثم بعد ذلك تراهم يتساءلون عن عذاب الله وسخطِه متى يُرفَع! يتساءلون عن دعائهم متى يُستجاب؟! وعن صدقاتهم متى تُقبَل ويرفَع الله بها البلاء!
يفعلون كلَّ هذا ثمَّ يستبطئون نصر الله ويستأخِرونه!!!
وجواب كل أسئلتهم هذه – أيّها الأحبّة – فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ” أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)) [المؤمنون: 51]، وَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)) [البقرة: 172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟”.
أنّا يُستجاب له وأنّا يُصلَح حاله وهو لا يتوب عن الحرام؟!
أنَّا يتوب إلى ربِّه؟! وأنّا له أن يرى الخير في أولاده وذرِّيته؟ ورسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول – في الحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي-: «لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحتٍ إلا كانَتِ النَّارُ أَولى به».
لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحتٍ؛ لحمٌ نبت من رِبا، من أكل مال يتيمٍ، من أخذِ ميراثِ أختٍ مسكينة أو غنيَّة، مِن سرقة، مِن رشوة، مِن قِمارٍ وميسِر، من بيع ما لا يملك، من تداولِ حرامٍ حرَّمه الله، من غُلولٍ، من مكوسٍ وأتاوات، من استدانةٍ مع نيَّة عدم وفائها، من منع الزكاة وحِرمانِ مُستحِقِّها، … فكل ما كان من هذا سُحتٌ حرام، ورسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحتٍ إلا كانَتِ النَّارُ أَولى به». وفي حديثٍ آخر: “إلّا حرامٌ عليه الجنَّة”، فتراه يأبى إلا أن يعصيَ الله، ترى ولده يأبى إلا أن يَعِقَّ أمّه وأباه.
ترى الأب الجاهل الغافِل المسكين الغبي أو الفاسِق، يجهد في إطعام أولاده، فيطعمهم من الحرام ويسقيهم من الحرام ويُلبِسهم من الحرام، يُفني عُمره في خِدمتهم، ثمَّ يتنكرون له حالَ كِبَرِ سِنِّه، فلا يبِرونه ولا يعتنون به، بل ولعل بعضهم يرميه في دار العجزة… ثم يموت، يومَ يموت فيحمل إثمَ الحرام الذي اكتسبه، ويتنعَّم الورثة بميراثِه ولا يترحمون عليه، فمن نبت لحمه من سُحتٍ فالنار أولى به، ومن نبت لحمه من سُحتٍ يأبى إلا أن يعصي ربَّه وأن يعقَّ والده الذي أطعمه من الحرام.
وفي البخاري عن خَوْلَة الأنصارية -رضي الله عنها- : أنَّ النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ((إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ؛ فلهم النار يوم القيامة)).
إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ؛ مالٌ ليس لهم، مساعداتٌ أتت للفقراء، معوناتٌ أتت للمجاهدين، رواتِبُ للعمال أو الموظفين، يأكلها عليهم أو يأخذ منها بغير حقٍّ … ((إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ؛ فلهم النار يوم القيامة)).
فانظر أخا الإسلام في حالك ومالِك، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب في يومٍ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ، في يومٍ قال عنه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- : (( لا تزولُ قدَما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمُرِه فيم أفناه؟ وعن عِلمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟ )) والحديث رواه الترمذي، وقال: “حسن صحيح”.
فمالك من أين اكتسبته وفيم أنفقتَهُ، ستُسأل عنه درهما درهما، ليرةً ليرة، دولارًا دولارًا، يومَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ…
راجع نفسك أخا الإسلام، وحاسب نفسك قبل أن تُحاسب واعلم أنّما يكونُ صلاحُ المال: (بحِلِّ أصله، وطِيبِ كسبِه، ومشروعيَّةِ مصدرِه)، ثلاثة شروطٍ يجب أن تتحقق في المال (حِلِّ أصله، وطِيبِ كسبِه، ومشروعيَّةِ مصدرِه) يبارك لك اللهُ فيه، ولتعلم أخا الإسلام أنّ الرزق مقسوم، وأنَّ الحلال مباركٌ فيه، وأنَّ الحرام ممحوقُ البركة، يضيع غرَقًا وحرَقًا ونهبًا وسرِقة.. ويُصرفُ على الأمراض وفي المستشفيات.
ولتعلَم – أخا الإسلام – أنَّ الصدقات من المال الحرام لا تُطَهِّرُ مالَ من أَصَرَّ على أكلِ السُحتِ ولو تصدّق منه، لقوله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27]. ولقول رسول الله: ((إنّ الله طيِّبٌ، لا يقبل إلا طيِّبًا)).
وفي صحيحي ابن خُزيمة وابنِ حِبان، ومستدرك الحاكم بإسنادٍ حسنٍ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “إذا أدَّيتَ زكاةَ مالك فقد قضيتَ ما عليكَ، ومن جمعَ مالاً حرامًا ثُم تصدَّقَ به لم يكُن فيه أجرٌ، وكان إصرُه عليه”.
نسمع كثيرًا في الإعلام عمَّن يعملون بالحرام، ويتداولون الربا، وينشرون الفواحِش، وهم يبنون المساجد، ويصنعون الموائد للفقراء، ويتصدقون على الأرامل والأيتام … رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول لهم: “ومن جمعَ مالاً حرامًا ثُم تصدَّقَ به لم يكُن فيه أجرٌ، وكان إصرُه عليه”. أي، وكان ذنبهُ عليه!!
وفي مراسيل أبي داودَ بإسنادٍ حسنٍ؛ عن القاسم بن مُخيمِرة أنه قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “من اكتسبَ مالاً من مأثَم [ أي مِن حرام ] فوصلَ به رحِمَه، أو تصدَّقَ به، أو أنفقَه في سبيل الله؛ جُمِعَ ذلك كُلُّه جميعًا فقُذِفَ في جهنم”.
لو تصدَّق مِن حِلِّ ماله، فالله تعالى لا يُضيعُ مِثقالَ ذرَّة، ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)) [الزلزلة: 7-8]، أمَّا أن يجمع ماله من الحرامِ كُلَّه فيصِل به رحِمَه، أو يتصدَّقَ به، أو ينفقَهُ في سبيل الله؛ فسيُجمَعُ ذلك كُلُّه جميعًا ثمَّ يُقذَف في النار!!
ألا يا كافلة الأيتامِ مِن كدِّ فرجِها *** ويحكِ لا تزني ولا تتصدَّقي
الله طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا، والله طيِّبٌ لا يقبل إلَّا مِن المُتَّقين، فهلَّا سمع ذلك آكل الربا وهلَّا سمع ذلك جامِع المُكس والضرائب وهلَّا سمع ذلك مُعفِّشُ بيوت الآمنين…
هلَّا سمع ذلك وارتدع وتاب وأناب، من قَبلِ أن يُعجِّل الله العذاب في الدنيا قبل الآخِرة!!
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمَّن سواك… وللحديث بقية نكملها إن أحيانا الله إلى قابل.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.