الحظ أم القداسة؟
سأل احد الملوك مستشاره قائلا: “أيهما أفضل الحظ أم القداسة؟”
قال له بدون أي مقدمات: القداسة طبعاً يامولاي!
ضحك الملك وقال له: سأدحض رايك بالدليل أو تثبت لي رأيك وبالدليل!
وافق المستشار ..
خرجا في صباح اليوم التالي إلى أحد الأسواق، ووقف الملك يتامل في وجوه رعيته حتى رأى عتالا بائساً جداً.
فأمر الحرس بجلبه إلى القصر، ثم أمر بأن يطعموه ويلبسوه الحرير، ثم جعله وزيراً، ثم أمر بإدخاله الى مجلسه.
فاندهش المستشار عندما رأى أن العتال أصبح وزيراً!
فقال الملك للمستشار: أيهما أفضل الآن الحظ أم القداسة؟
فأجاب المستشار وقال له أعطني فرصتي يامولاي لأثبت لك بأن رأيي الأصح!
خرج المستشار إلى السوق ووقف يتأمل، وإذا به يرى حماراً هزيلا وسخاً ومنهكاً من التعب.
فاقترب منه وبدأ يتحسسه ويتلمسه، والناس ينظرون إليه باستغراب حتى تجمهروا من حوله،
ثم قال بصوت عالً: أيها الناس، أتعلمون أن هذا الحمار طالما حمل على ظهره أحد أنبياء الله.
فقد ذُكر وصفه في الكتاب الفلاني نقلا عن فلان ابن فلان. هذا الحمار من أهل الجنة. وماهي إلا لحظات حتى أصبح ظهر الحمار الأجرب مزاراً، وملئت أذناه نُذوراً، وبدأ الناس يتبرّكون به.
فهذا يطعمه، وذاك يغسل قدميه، وتلك تأخذ شعرة منه لتتزوج، وتلك تتمسّح به لتُرزق بطفل.
ثم أسكنوه في بيت نظيف، وعينوا له خدماً، وصار الحمار يسرح ويمرح في اي مكان، ويأكل ويشرب من أي بيت يريد، والكل يقدسه ويتبرك به… ثم عاد المستشار إلى الملك وقال: الآن يا مولاي، أيهما افضل؟
طأطأ الملك راسه، فابتسم المستشار وقال له:
*أتعلم يا مولاي مالفرق بين الحظ والقداسة؟*
قال الملك لا. قل لي مالفرق؟
قال له المستشار: أنت يا مولاي ألبست هذا العتال ثوب العافية والمال والسلطة.
وهذا ثوبً زائل لأنك تستطيع سلبه اياه!
أما أنا فقد ألبست هذا الحمار ثوب القداسة ولعمري أن هذا الثوب لا يمكن أن يسلبه منه أحد،
حتى انت يا مولاي! ..
فكم حماراً ألبسه الجهلة ثوب القداسة يغتال العقول بدون مشانق ولافرق إعدام …
⚠ عرفتم الآن لماذا يلبس البعض مصالحهم الدنيوية واجتهاداتهم السياسية بلبوس الدين … إنه السعي خلف القداسة المزيفة التي يسيطرون بها على الجهال ويعطون لأنفسهم بها الحصانة عن المساءلة والأولوية في كل منفعة.