#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
خطبة عيد الفطر 1439
نحن المبشرون
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 28 دقيقة.
التاريخ: 1/شوال/1439هـ
الموافق: 15/حزيران/2018م
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ العيد للفرح أيا كانت الظروف.
2️⃣ بشِّروا ولا تنفِّروا.
3️⃣ التبشير والفرح فيما جاء عن الله تعالى ورسوله.
4️⃣ التبشير ونشر البهجة دأب الصالحين المُصلحين.
5️⃣ حال المنافقين الكئيبين المُكْئبين.
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة االثانية:
6️⃣ العيد وإدخال الفرح على قلوب الأهل
7️⃣ العيد وصلة الرحم
8️⃣ العيد ونشر البهجة
9️⃣ نحن وأطفالنا في العيد
🔟 وصايا للنساء في زيارات العيد.
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
- ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الله أكبر (تسعة مرَّات)
- الله أكبر عدد ما صام الصائمون.
- الله أكبر عدد ما أفطر صبيحةَ العيد المُسلمون.
- الله أكبر عدد ما صاموا مُخلِصين.
- الله أكبر عدد ما رابطوا صابرين محتسبين.
- الله أكبر عدد ما قاموا قانتين.
- الله أكبر عدد ما قرَؤوا القرآن مُتَدبِّرين.
- الله أكبر عدد ما دفعوا صدقة الفِطر مُحسنين.
- الله أكبر عدد ما دعَوا ربهم موقنين.
- الله أكبر عدد ما اجتمعوا في مُصلى العيد مكبِّرين مهلِّلين.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمُرسلين، سيِّدنا محمَّد صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيِّبين الطاهرين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أمَّا بعد إخوة الإيمان، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) [يونس:58].
الحمد لله الذي جعل لنا الأعياد مُتنفَّسا نُظهر فيه الفرح والحُبور، نلهوا فيها بما يباح ممّا يُدخل على النفس البهجة والسرور، نفرح بصيامنا وقيامنا واجتهادنا، نفرح بما أعاننا الله عليه من الطاعات، نفرح بما غُفِر لنا من الذنوب، نفرح فرح المؤمنين؛ فلا طُغيان ولا معاصيَ ولا تشبَّه بأفراح وأعياد الفاسقين والكافرين.
نفرح، نعم نفرح، نفرح رغم الشدائد والآلام، نفرح لأننا نعلم أجر الصبر على شدائد الأيام، نفرح فكلنا يقينٌ بأنَّ مع العسر يُسرًا إنّ مع العسر يُسرا، نفرح وقد أيقنا بأنَّه ما بين طرفة عينٍ والتفاتتها يغير الله من حالٍ إلى حال، نفرح فالله تعالى شرع لنا مواسم الفرح لنجدد الحيوية في نفوسنا ولنجدِّد الآمال في قلوبنا، ليس هذا فحسب، بل ننشر الفرح والبِشارات أين ما حللنا وارتحلنا، كيف لا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لنا:
(( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، – سكِّنوا- وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا)) [متفقٌ عَلَيْهِ]. فنشرُ البِشارات وتوزيع الأخبار المُفرِحات شأنُ الله تعالى مع المؤمنين وشأنُ أوليائه الصالحين وملائكته المُقرَّبين، ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)) [فُصِّلت: 30].
وإن كان هذا التبشير من الله الكريم الرحيم، ومن ملائكته المطهَّرين، فطمأنة الصحب وبث السكينة في وجدان الأولياء والأصدقاء ورفاق الدرب، دأب الأنبياء والصالحين….
لرُبَّ عارفٍ يجيئُه الرجل ترجف بوادِره فلا يخرج من عنده إلا مُفترَّ الثغر، باسم الوجه، باديَ النواجذ، متهللاً، منبلج الأسارير، قد اطمأنَّ قلبه وذهب رَوعه، وسكنت نفسه، بما زرعه في قلبه وعقله ذاك الصالح العارف المتفائل الواثِق بالله.
ولكم قصَّ لنا الله من قَصص الأنبياء والسابقين مَثُلاتٍ عن ذلك – أيُّها الأحبَّة – هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الصدِّيق -رضي الله عنه- : ((ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40]، وهذا الرجل الصالح والد البنتين مع موسى عليه السلام، ((فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [القَصص:25]، وهذه أمُّ المؤمنين خديجة حبيبة رسول الله رضي الله عنها وأرضاها، أتاها النبيُّ خائفا يرتعد لمَّا رأى جبريل أوَّل ما نزل عليه الوحي، يقول النبيُّ خائفًا: “زمِّلوني زمِّلوني” … فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوْع. فأخبر خديجةَ الخبر وقال: “لقد خشيتُ على نفسي”. فقالت له خديجة: ” كلّا، أبشر، فوالله لا يُخزيك الله أبدا، إنك لتَصِلُ الرحم، وتَصْدُق الحديث، وتَحمِلُ الكَلّ، وتُكْسِبُ المعدومَ، وتَقْرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحق”. تبشِّرهُ وتطمئن قلبه.
هكذا شأن الصالحين والصالحات، هكذا شأن المؤمنين والمؤمنات، هكذا حال الواثقين بالله العارفين به والواثِقات، ينشرون الطمأنينة والفرح، ينشرون البهجة والسعادة، يُشعرون الناس بالاطمئنان والأمان، يُسعدون الصغير والكبير.
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو رسول الله سابق عائشة وسابقته، كان الحبشة يلعبون بالحراب يتراقصون بها في مسجده وهو يقف على باب حجرة عائشة يسترها بثوبه وتضع رأسها على عاتقه لتتفرَّج عليهم، وكانت الجواري تضرب بالدف في حجرتها فزجرهم أبوها وأذِن لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكي يُدخل السعادة والفرح على قلبها، هذا شأن المُصلحين هذا شأن المُفرِحين المُبشِّرين.
وفي مقابل أولئك المؤمنين المطمئنين ترى من شأنُه التمادي في الغواية، ذاك الذي يُبتلى بالرُّعب والإرعاب، والفزَعِ والإفزاع، والحزن والتحزين، والخذلان والتخذيل، والخوف والتوتُّر وبث الكآبة والحالة السلبية في نفوس أوليائه ورفاقه وجُلَّاسِه شأنه في ذلك شأن شياطينه التي تأزُّه أزًّا، تريد نشرَ الحُزِن والكآبةِ واليأسِ والقنوطِ، والتشكيكِ بموعود الربِّ المعبودِ سبحانه، وفي هذا يقول الحقُّ تبارك وتعالى:
((إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [آل عِمران:75]. ويقول سبحانه: ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) [البقرة:268]. وعلى مثل حالة الشياطين تجد الكفار والمنافقين، يتناجَون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، يتناجَون بتخويف الناس وزعزعة إيمانهم وإضعاف ثقتهم بربهم، لسان حالهم لسان حال أسلافِهم يوم قالوا: ((مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا … يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ)) [من الآيات 12-13 سورة الأحزاب] ((لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا)) [آل عِمران:156].
يُبتلى أولئك باضطراب النفس والسرعة إلى إذاعة الأخبار حسنها وسيئها والبعد عن الأناة والرشد والحِلم ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ)) [النساء:83]، ولكم ترى مِن قليلي الإيمان – عافانا الله – يقدُم عليهم الرجل حزيناً أو فزعاً أو خائفاً فيزيدونه حُزناً إلى حزنه، ويضاعفون فزعه أضعافاً مضاعفة، يقعون على بواعث الكَدر فيُثيرونها، ومواضع الهلَع فينبِشونها، كأنَّهم موكَّلون بأسباب البؤس… وما ذاك إلا لقلة دينهم وضعف إيمانهم.
شتان شتان أيّها السادة بين أولئك القانطين المكتئبين، وبين عباد الله المؤمنين المُخلَصين المتفائلين، شتّان شتان بين من يتبنى الإيجابية في الحياة منهجًا وبين من لا يعرف إلَّا السلبيات وتتبع العثرات، شتان بين من صحبته كصحبة نافخ الكير وبين من صحبته كصُحبةِ بائع الطيب، وفي البخاري ومسلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال ((إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ،
فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وَإمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً مُنْتِنَةً)).
فاختر لنفسك أخا الإسلام من تكون، وختر لنفسك من تصاحب، وإن كُنت مؤمِنًا حقا فلتعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اختار لك الإيجابية صِفةً، والتبشيرَ منهجًا وسلوكًا، فقال –روحي فداه- : ((يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا))، اختار لك أن تكون ممن يرون المِنحة في قلب المِحنة، اختار لك أن تكون ممن يتفاءلون بالعطيَّة من بعد الفتنةِ الشديدة القويَّة، اختار لك الله ورسوله أن تسير بالتبشير بن الناس في أحلك الظروف: ((وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)) [البقرة:83]. قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ساعة لا يقولها إلا الحكيم البصير، وما أروعه من مثالٍ على ذلك، قصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حفر الخندق، يوم الأحزاب، والنبي يحفر مع أصحابه، وقد عرضت لهم صخرةٌ فلم يقدروا عليها، فضربها النبي ثلاث ضربات فغدت كثيبًا أهيل، يضربها النبي ويقول أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحُمر من مكاني هذا، أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا…
وهم على تلك الحال، شِدة وبرد وجوعٌ وخوفٌ من تكالب الأحزاب وهم يريدون مدينتهم، وأحدهم لا يأمن أن يخرج لقضاء حاجته، وهو يبشرهم بما أراه الله مما سيفتحونه بعد موته -صلى الله عليه وسلم- …
إنَّه نهج المبشِّرين، نهج الأنبياء والصالحين، نهجُ نبيٍّ ما سأله سائلٌ إلا قال له أبشِر، نهج من علمنا الإيجابية منظارًا ننظر فيه، ونسعى إليه، دخل رجل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له النبي : “ما اسمك ؟” قال: زَحم. فقال -صلى الله عليه وسلم-: “بل أنت بَشير”. [رواه أبو داودَ والنَّسائيّ] ودخل آخر فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ما اسمُكَ؟” قال : أصرَم، قال : ” بل أنتَ زُرْعَةُ”. [رواه أبو داود]. يتفاعل مع أسماء صحابته ويُغيرُها للحسن، صلَّى الله عليك يا سيدي يا جد الحسن، يامن جئت بالدين الحسن، دينُ من ينشُرون البِشارات ويُدخِلون الفرح والبهجة على قلوب الآخرين، دينٌ ترددت كلمة البشارة كثيرا فيه فيما جاء عن الله تعالى ورسوله، (( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ)) [التوبة:21] … اللهم اجعلنا ممن يُبشَّرون بتلك البشارة، ممن تُكفِّرُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وتجزيِهم أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
- الله أكبر عدد ما تفاءل المؤمنون.
- الله أكبر عدد ما استبشر الصالحون.
- الله أكبر عدد ما استيقن بوعد الله الواثقون.
- الله أكبر عدد ما فرَّج ربُّنا ويَسَّر.
- الله أكبر عدد ما غيَّر حالًا وبدَّل.
- الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون.
- الله أكبر عددَ ما غَفِل عن ذكره الغافلون.
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا،
الحمد لله لم يزل بالجود موصوفا وبالمعروف معروفا والصلاة والسلام على خير نبي أرسله، نبيِّنا محمد صلّى اله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا… أما بعد إخوة الإيمان:
ونحن نتحدث عن نشر الفرح والسرور لابدَّ أن نعلم بأن مِن أخص أوقات الفرح التي يفرح فيها المؤمنون، أيام الأعياد، يفرحون فيها بطاعة الله وبتمام العبادة والنُّسك، وفي الحديث المتفق عليه أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفْطَرَ فَرِحَ بفِطره، وَإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ”.
فالأصل أن نفرح في أعيادنا بتمام صومنا ويوم عيدنا، أن نفرَحَ، وأن ندخِل الفرح على قلوب الآخرين، أن ننشر الفرح والبهجة بين المسلمين، فعبادة العيد: الفرَح بطاعة الله وبما يُرضي الله. لا تُقلِّبوا المواجع ولا تُذكِّروا بما يُحزِن، ولتعلموا أنّ من أخص من يوُصى بإسعادهم وإدخالِ الفرحة عليهم: الأهل، أهل بيتك؛ زوجتك وبنوك، أمك وأبوك … زوجتك التي تعبت وهي تخدمك صائمة، وأولادك الذين تحملوا سوء أخلاقك، لا أقلَّ من أن تُسعدهم في العيد وأن تسعى في إدخال البهجة عليهم، وفي الحديث الذي أخرجَه الترمذي، وقال: “حسن صحيح” يقول سيّد الخلق روحي فداه: «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي».
ولتعلموا إخوة الإسلام، أنّ الفرح في العيد لا يكون إلّا بفرح الأطفال، أدخلوا السرور عليهم ولا تجعلوا ما أنفقتموه عليهم سببا في نكدهم، بكثرة اللوم لأجل المحافظة على نظافة الثياب الجديدة، أو بمنعهم عن الحلويات حتى يأكل منها الضيوف، فتحرجوا أنفسكم بطلبهم منكم أمام ضيوفكم … دعوهم يذوقونها قبل مجيء الضيف لكي لا تُحرجوا أمامه، عاملوهم بلطف وحنان، وأسعدوا قلوبهم باليسير المتاح مما يفرحون عليه ويعجبهم هم، لا ما يعجبكم أنتم فقط.
ولتعلموا أيها الأحبَّة بأنّ إدخال البهجة على قلب صديق غني خير، وعلى قلب فقير خير وصدقة، وإن كان قريبًا فخيرٌ وصدقةٌ وبرٌ وصِلة رحم، ولتتذكروا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّما تُرزقون وتنصرون بضعفائكم” [حديث صحيح رواه أبو داود والتَّرمذيّ] … وأنَّ شرَّ الموائد تلك التي يُدعى إليها الأغنياء ويُحجَب عنها الفقراء، فما بالُكم إن كانوا فقراء ورحِمًا وقرابة!!
أخا الإسلام، أهلُ بيتك وأرحامُك من بعدهم أولى من تبُرُّهم وتدخل الفرح على قلوبهم في أيام العيد وفي غير أيام العيد، ولعلِّي أذكرك بما أخرجه البخاري من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: ((لَيْسَ الوَاصِلُ بالمكافئ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا )). فالواصِل لا يقول: إن زاروني زرتهم، إن اتصلوا بي اتصلت بهم، لا أبدًا، أصلهم وإن قطعوني، وأعطيهم وإن منعوني، فأنا أفعل ذلك خالصًا لوجه الله الكريم.
إنه العيد، عيد الفطر المبارك، زوروا إخوانكم، وبُروا آباءكم، وصِلوا أرحامكم بما يرضي الله تعالى، وإياكم والاختلاط المُحرَّم المذموم، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء (([البخاري ومسلم]. فلنتجنّب في زياراتنا اختلاط الرجال بالنساء، ولنتجنّب الخلوة بالأجنبيّة ولو كان ذلك من قرابة الزوج، فقد أوصانا رسول الله قائلا: ((إِيِّاكُم والدخولَ على النساء، فقال رجل من الأنصارِ: أَفرأيتَ الحَمْوَ؟ قال: الحَمْوُ: الموتُ)). فكم جرّ الاختلاط المُحرَّم على الأسر من البلايا والرزايا ما لا يعلمُه إلّا الله.
ولتعلم أخواتنا المؤمنات ، بأنَّ الله أمرهنَّ بغض البصر كما أمر الرجال بذلك فقال تعالى: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)) [النور:30-31].
فلنأمر نساءنا بلزوم الأدب والحشمة عند زيارة المحارِم وغير المحارِم، ولنأمرهنَّ بعدم التبرّج وبلبس الحجاب الشرعي السابغ الساتر الذي يعمّ سائر الجسد ولا يَشُفُّ ولا يصِف شكل الجسم عند الخروج من المنزل أو قدوم غير المحارم…
فلنسامح من خاصمنا، ولنقبل عُذر من اعتذر لنا، هَنِيئًا لِقَرِيبٍ أو أخٍ أو صديقٍ أعَانَ عَلَى صِلَتِهِ في هَذَا اليَوْمِ بِقَبُولِ العُذْرِ، والصَّـفْحِ والعَفْوِ، وَالتَّغَاضِي عَنِ الهَفَواتِ والزَّلاَّتِ.
اللهم تقبل منا يا مولانا يا كريم إني داعٍ فأمِّنوا…
عبادَ اللهِ، هذه شَمْسُ العِيدِ قَدْ أَشْرَقَتْ، فَلتُشْرِقْ مَعَهَا شِفَاهُكُمْ بِصِدقِ البَسْمَةِ لإخوانكم وجيرانكم، ولتُشرق نُفُوسُكُمْ بِالمَوَدَّةِ وَالمَحَبَّةِ، قوموا فسلِّموا على من تعرفون ولا تعرفون من إخوانكم، تقبل الله طاعتنا وطاعتكم، وأعاده علينا جميعًا بأحسن حالٍ يُحبُّه ويرضاه… الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.