سورية: الدولة المتوحشة
الباحث الفرنسي في علم الاجتماع: ميشيل سورا
أهم أفكار الكتاب والتعليق عليه بقلم: الباحث علاء البيطار
مما استوقفني في الكتاب:
- حافظُ الأسد لم يكن مهتمّاً بتأسيسِ حكمٍ, إنما ببناءِ سلطة, ومن هنا تأتي صعوبةُ اقتلاعه من معارضيه.
- سلطتُه تقومُ على لا مركزيةِ الأطراف, وعلى خطوطٍ في قلبها قوةٌ كافيةٌ لخلخلتها؛ أي لا تمايُزيّة السلطات التي تحكمُها بنيةُ المجتمعِ السياسي, ويتمُّ لذلك استثمارُ آلةِ الحرب التي تعملُ وفقَ نموذجِ ” العصابة “, وهو شكلٌ غيرُ مناسبٍ للدولة, فتتعاملُ معها كما يتعاملُ الجيشُ مع القلعة, ثم تحتلُها لتدميرَها وفقَ سياسةِ الأرضِ المحروقة!
- الأنظمةُ الشمولية تُطبّقُ سياسةً ما مِن خلالِ دولة, لكن مشكلة سورية عدم وجود دولة!
- السعوديةُ من أهمِّ مُموّلي النظام السوري.
- النظامُ كان يشحنُ أبناءَ الريف إلى المدينة مُثيراً ذاكرةَ الكراهية!
- السلطةُ لعبتْ على تناقضاتٍ اجتماعية وقوى متوازية, بحيثُ تستخدمُها في وجه من يتهمُها بـ (أقلية تجابهُ أكثرية).
- ومن ناحيةٍ أخرى تستغلُّ هذه التناقضات, لعدمِ وجودِ منفَذٍ سياسي, وبالتالي تمنعُ قيامَ أيّ إجماعٍ شعبي منظّمٍ ضدّها..
- هناك مشكلةٌ في المُخيّلَةِ الإسلامية المعارِضة حينَ تتصوّرُ مُطلَقَ التآخي بين المدينة والريف, بينما النظامُ اعتمدَ على الريف.
- وفي الصراعِ بين الريف والمدينة كان الصراعُ بين العسكر والإسلاميين والتجار..
- النظامُ استخدمَ مقَارباتِ ابن خلدون للحكم: باستخدامِ العصبية ( العلوية ) من خلالِ الدعوةِ ( الدولة الحديثة ) للحصول على المُلك.
- بعبارةٍ أخرى : العلويون, كـ أقليةٍ طائفية, استولوا على مقاليدِ الدولة, وأخذوا لمصالِحهم مبادئَ ومثاليات /القومية العربية/, وفي طريقهم استولوا على /الاشتراكية/!
- النظامُ عَمِلَ على تماسُكِه الداخلي في مقابلِ تفكيكِ ” الأكثرية ” تحت شعارِ /العروبة والوطنية/!
- رؤيةُ الأخوان المسلمين للموضوع مهمّةٌ لفَهم الأمورِ, لأنها مبنيّةٌ على رؤيةِ الحيّزِ الديني والحيّزِ السياسي..
- التسجيلُ الاستثنائي للطلبة / المظليين والشبيبة .. / في الكليات يندرجُ في مجالِ تقويةِ ” العصبية “, فـ هاؤلاء كما قال حافظ الأسد : “تَصدّيهم لمؤامرات الإمبريالية شغلَهم عن الدراسة”!
- الأقليةُ العلوية لديها حساباتٌ قديمة مع المدينة ( ثأرُ الأرياف ), فتمَّ تصفيتُها في مدينة حماه!!
- يذكرُ المؤلّفُ عملياتِ النظام كـ ” عصابة ” ضدًّ الإسلاميين والفلسطينيين واللبنانيين .. التي كانت لأجلِ تحقيقِ مكاسبَ سياسية؛ وكيف أنّ الدولةَ تمارسُ الإرهابَ العسكري والفكري .. باسم / القومية والبعث/, حتى على الجيران العرب!
- كان الحرسُ القديم في البعث راضياً بسيطرة الطائفة العلوية على الجيش والمخابرات مقابلَ أن تكونَ الأمورُ السياسية الداخلية له.
- رفعت الأسد رفعَ شعارَ ستالين: “الزعيمُ يُعيّن, والحزبُ يُوافق, والشعبُ يُصفّق, ومن لا يُصفّق يُسفّرُ إلى سيبيريا”!.
- يذكرُ المؤلّفُ مؤتمراتٍ مؤرّخة عقَدها حافظُ أسد لطائفته, يَحضُّهم فيها على دخول حزب البعث, ويعاتبُهم لأجل الكفِّ عن اعتبارِ أنفسهم طُفيليّاتٍ على هامش المجتمع, ويطلبُ منهم السعيَ لمنافسة البرجوازية السُنيّة.
- يحكي كيف حاولَ الأسدُ الأب توحيدَ طائفته, وتشكيلَ محورٍ شيعي من لبنان إلى باكستان, مستخدِماً عدةَ أدواتٍ, منها إرسالُ / ٢٠٠ / طالبٍ علوي لدراسة الفقه الجعفري في ” قمّ “.
- يرى المؤلّفُ أنّ عسكرةَ المجتمع, من خلال تشكيلِ كتائبَ للفلاحين والعمال والطلبة… بحجةِ / حماية الثورة /, في مقابل تدميرِ / النقابات المهنية /, كان ذلك وفقَ النظرية العصبية الخلدونية, بحيثُ يتمُّ سيطرةُ الريف المُتكالِبِ على المدينة وبُنيتها.
- يتكلّمُ المؤلّفُ مطولاً عن فسادِ ” العصابة” مالياً, بما شرحَه ابنُ خلدون : “المُلك عندها أكبرُ مصادرِ الترف” .. وكذلك دور التجار الدمشقيين والحلبيين في هذه المعادلة .. فالقبيلةُ ( الريف ) تُقدّمُ الحكامَ, بينما المدينةُ تمنحُهم الشرعيّةَ.
- يذكرُ اِتكاءَ حافظِ الأسد على مقولات / الوطنية ومحاربة الصهيونية ../ لأجلِ تمكين سلطته, واستدرارِ الدعمِ السعودي..
- يرى القولَ بأنّ نظامَ الحكم الإسلامي “ثيوقراطيٌ” هو قولٌ استشراقي.
- يؤكدُ أنّ الصراعَ بين الأخَوان والنظام هو صراعٌ بين المُلك السياسي (المشروع السياسي) والمُلك الطبيعي (الهمَجي).
- يذكرُ أنّ إصرارَ رفعت الأسد على عدمِ التنازل للإخوان المسلمين منحَهُ لدى مراقبين غربيين صِفةَ قائدِ الخطِّ اليساري للبعث!!
- حين تكلّمَ عن حَراك / آذار ١٩٨٠م/, يذكرُ كيف كانت المدنُ السورية مشلولةً بالإضرابات المُناديةِ بسقوط النظام, بما فيها حلب التي كانت بعيدةً عن نظام توزيعِ ثروات الدولة, وتعيشُ نسبياً على هامشِ السلطة المركزية, ويدعمُ تجارُها الإخوانَ المسلمين, لكن دمشق ابتعدت عن هذا الحَراك, ودعمَ تجارُها حافظَ الأسد!
- يقولُ إنّ هذا الحَراك حين اشتركتْ فيه أطيافٌ أخرى من المعارضة, (ناصريين واشتراكيين وبعثيين…) فشلتْ في تقديمِ خِطابٍ جذّابٍ للشعب, لتشابهِ مفرداتها: / القومية والاشتراكية .. /, مع خطابِ النظام.
- يحكي المؤلفُ طويلاً عما سُمّي حينها في اِفتتاحية جريدة تشرين : ” العنفُ الثوري المسلحُ للتصدي للعنفِ الرجعي”... وكيف كان يتمُّ الثأرُ عشوائياً, لكن مع معيارين : الذكورة, وتجاوز / ١٤ / عاماً, وغيرُ هذا لن يفيدَ الضحيةَ انتسابُها للبعث أو الجيش, إن كان حظُها سيئاً وصادفَ وجودُها في إحدى عمليات المداهمة.
- ذكر مِراراً أنّ التجارَ السُنّة, أبناءَ المدن, حاولوا دعمَ الإخوان المسلمين مادياً واجتماعياً, لمجابهة نفوذِ ” الدولة الحديثة ” المتمثلةِ بالسلطة العلوية الريفية الدَخيلة… فبعدَ إفلاسِ / القومية العربية/, التي هي مشروعيّةُ العلويين, قويَتْ / الصحوةُ الإسلامية / التي مركزُها المدينة.
- يرى أنّ صراعَ الإخوان مع النظام كان لاسترجاعِ جزءٍ من المجتمع لتاريخيّته.
- غالبيةُ القوى السورية ركّزتْ على إنكار موضوعِ الطائفية لأجلِ تحديث بناء الدولة, إلّا النظام, فهو الوحيدُ الذي حافظَ على تماسُكِه الطائفي, بينما الأكثريةُ كانت هي الخاسرةُ في اللعبة لأنها قدّمتْ نفسَها على أنها بلا عصبية!
- من يريدُ إدراكَ حقيقة الوضع السوري سيرجعُ إلى المفهوم الإسلامي القديم, من خلالِ فَهم الحيّز الديني والسياسي.
- مجلةُ / النذير / التابعةِ للإخوان المسلمين, أكّدتْ أنّ مثلَ تحركاتِ جيش النظام على الحدود اللبنانية أو الأردنية .. ما هي إلّا لاستجرارِ وساطة الدول البترولية.
- وكذلك ينقلُ عن نفسِ المجلة قولَها : إنّ دعمَ النظام للعصابات الإرهابية في أوروبا وغيرها هدفُه السيطرةُ والتحكم بالقضية الفلسطينية ولو على حساب الفلسطينيين أنفسهم!
- الإخوان المسلمون ردّوا على اِتهاماتِ النظام لهم بأنهم “عملاءُ الصهيونية”, بذكرِ شهدائِهم الذين سقطوا في حرب/ ١٩٤٨ م/.
- يعترضُ المؤلفُ على النظرةِ الاستشراقية لـ ” الحكم الإسلامي “, وتبريرِ سياسيي ومفكري الغرب لقمعِ الحركة الإسلامية.
- ويرى أنّ المفهومَ الإسلامي, الذي يقدمه الإخوان المسلمون, هو مرجعيةُ هذه البلاد, وهو القوةُ الوحيدة المعارِضة للنظام.
- نتيجةً لسيادة الطائفية ستتحولُ ” الدولة العلوية ” إلى واقعٍ, إذا ما اضطرَ النظامُ للتخلي عن العاصمة, مع احتمالِ وجودِ ( بلْقَنَة ) في البلد!
- يتكلمُ عما فعلَه الاحتلالُ الفرنسي من إنشاءِ تجمّعاتٍ سياسية طائفية مستقلة: (العلويون في الشمال, والموارنة في الغرب, والدروز في الجنوب) كأصدقاء أمينين مُخلصين, ومستأصَلَين كلّياً من بيئاتهم, لتشكيلِ مثلثٍ حارسٍ للنفوذ الفرنسي, ضمن مناخٍ ” ملغومٍ ” بالعروبة.
- يذكرُ رغبةَ فرنسا في استعمار المسيحيين للجزيرة الفراتية, ذاتِ الحقول النفطية, وكيف دافعَ الكاردينالُ / طابوني/, بطركُ السوريين الكاثوليك, عام١٩٣٠م عن مشروعِ الحكم الذاتي أمامَ الأمم المتحدة, مُظهِراً أهميةَ السكان المسيحيين غيرِ العرب.
- يرى (في صفحة 249) أنّ الطبقةَ الحاكمة في فترة ما بعد الاستقلال, والتي تمثّلُ ما أسماه “البرجوازية السُنيّة” لم تتمكن من تصوّرِ برنامجٍ سياسيٍ قومي يتجاوزُ آفاقَ الاقطاعية المحدود, لأنّ كلّ عائلةٍ تنطلقُ من أفضليةِ أن تكونَ الأولى في مدينتها لا الثانية في دمشق!
- بعدما تكلّمَ مطوَّلاً عن معُوقات التنمية الاقتصادية ومشاكلِها.. يردُّ على المحللين السياسيين والمُنظّرين طالباً منهم إدراكَ السببِ الحقيقي وهو مقاومةُ المجتمع المدني للدولة!
- التضخّمُ في الثمانينيات أدّى إلى تمزّقِ وتآكلِ القيم الودّية التقليدية, ونشوءِ سلوكياتٍ منحرفة غريبة عن الإسلام.
- يؤكدُ على استفادةِ النظام من الدعمِ الخليجي باعتباره في ” مواجهة إسرائيل “, فمثلاً الجولان قبل عام / ١٩٦٧م / كان يضخُّ في ميزانية الدولة السورية / ٥٠ / مليون ل.س, كضرائب وأرباح .. , لكن بعد احتلاله وصلَ الدعمُ الخليجي للنظام إلى مليار دولار!
- يرى أنّ النظامَ إنْ سعىَ إلى انفتاحٍ اقتصادي, استجابةً لمُموّليه النفطيين, سيؤدّي ذلك إلى فكّ ارتباطِ الدولة عن المجتمع, ذاكراً تجربةَ / السادات / كمثالٍ…لذا يطالبُ بإعادةِ النظر في الوظيفة السياسية والعسكرية العربية للدولة السورية, فهي أفضلُ من الوضع الحالي ( لا حرب ولا سلم ) التي ستُمزّقُ تنظيمَ النظام الاجتماعي.
- مفاهيمُ / النهر والجبل والقبيلة / تشكّلُ خصوصيةَ الإنسان اللبناني والعراقي والمصري, بينما شخصيةُ الإنسان السوري تشكّلُ خصوصيتَها ” المدينةُ “.
- لكي تتمكنَ الدولةُ السورية من السيطرةِ على البلاد عليها أن تكسرَ مقاومةَ المدن, لذا عملت على تغييرِ بنيتها الطائفية, سواءٌ بهدوءٍ كما حصلَ في حِمصَ من خلال توطين أقليةٍ علوية فيها, أو بعنفٍ كما حصل في مجزرة حماه.
- ملاحظة: القسم الثالث / السكان والدولة والمجتمع / لم ألخصه كاملاً, لتشابه مضمونه مع كتبٍ أخرى تكلّمت عن نفس الموضوع.
* تعليقي على الكتاب :
- الكتابُ قيّمٌ جدا جدًّا, يجبُ أن يطالعَه كلُّ سوري، وقد تُرجم إلى العربية مؤخَّرًا.
- المؤلّفُ باحثٌ وأكاديميٌ فرنسي شاب, اختطفه “حزبُ الله” في لبنان, ثم قتلَه عام 1986م ، ولم يُعثر على جثته حتى عام ٢٠٠٥م .
- الكتاب كُتب كـ مقالات, لذا الافكارُ تتكرّرُ أحياناً، وبعضُ المعلومات تحتاجُ للتثبّت منها, وخاصة الأسماء.
- يتميّزُ المؤلفُ بأنه عالمُ اجتماعٍ وباحثٌ ميداني.
- يعتمدُ في تفسيره للأحداث على منهجِ ابن خلدون: مثلاً : كيف تقومُ في مكانٍ تاريخي معين (عصبيةٌ) ما, تدعمُها روابطُ الدم أو تشابُه المصير, باستغلال ( دعوةٍ ) دينية أو سياسية, للوصول إلى ( المُلك ), منتقلةً من
(لمُلك الطبيعي) , أي السلطة كعنف ولا شيءَ غير العنف, إلى (المُلك السياسي). - يُعطي الإخوانَ المسلمين فضلَ كسرِ جدار الخوف, وإخراجَ المجتمع من سُباته.
- يركّزُ كثيراً على كيفيّة ابتلاعِ الطائفة العلوية للدولة والمجتمع, لكن وددتُ لو أنه توسعَ بالبحث عمن ساهمً في ذلك, كدور أكرم الحوراني مثلاً ..
- في صفحة / ٢٤٨ / يَعيبُ على ما سمّاه ” الأسلمة ” التي حصلتْ في فترة ما بعد الاستقلال, وتحديداً دستور /١٩٥٣ م/, باعتبارها سيطرةَ الأغلبية!!, فالصحيحُ بالنسبة له هو العَلمانية!…
وهنا رأيتُه قدّمَ مفاهيمَه السياسية كيساري, بعد أن تكلّمَ طويلاً عن معاناة الأغلبية, وبعد أن استخدمَ منهجاً تفسيرياً نابعاً من ثقافتنا.
- وفي الفصل الأخير يشرحُ موسعاً مركزية ” المدينة ” وتطورها الاجتماعي والتاريخي, لم ألخصه بسبب وجود أفكاره الرئيسية أعلاه.
- الكتابُ يتميّزُ عن غيره بالمنهجية العلمية والتحليل العميق
فكتاب ( الأسد والصراع على الشرق الأوسط ) للبريطاني/ باتريك سيل / قد يسردُ فيه كاتِبُه معلوماتٍ صحيحة, ولكن بمنهجٍ تبريري, فمثلاً هو يقول إنّ حافظَ الأسد قد دمّرَ مدينةً كاملة, لكنه يرى أنّ هذا شيءٌ طبيعي في العالم الثالث, حين يهددُ الخطرُ السلطةَ!!
وكتابُ ( سورية في عُهدةِ الجنرال الأسد ) للفرنسي / غابرييل لوغاك / – الذي عرضُته سابقاً – يسردُ معلوماتٍ, وخاصةً التاريخية والاجتماعية, لكنه يُقلّل من التحليل.
وكتاب ( الصراع على السلطة في سورية ) للهولندي / نيكولاس فاندام /
– الذي ذكرتُه سابقاً – يعتمدُ على سردِ معلوماتٍ لكنه يولي الأهميةَ للجيش والسلطة بشكل رئيسي.
وكتاب ( سورية : الرصاصُ أم الاقتراع ؟ ) للأمريكي / كارستين ويلاند /
– الذي أيضاً عرضته سابقاً – يحللُّ الوضعَ الداخلي لسورية، لكن ليصلَ إلى القول: “النظام السوري رغم أخطائه إلا أنه أفضل من المجهول أو الإسلاميين”!!
* علاء البيطار/ مدينة الباب – حلب /1-3-2018م