#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
بغض المؤمنين للمتقاتلين المتناحرين
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 15 دقيقة.
التاريخ: 21/جمادى الثاني/1439هـ
الموافق: 9/آذار/2018م
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ كيف ستشعر بالأمن والأمان وأنت ظالم.
2️⃣ استثمار الخلافات الفصائلية للانتقامات الشخصية وخطورة ذلك على المجتمع.
3️⃣ الانتصار ليس بالضروري مكرمة بل هو اختبار يسقُط فيه الكثيرون.
4️⃣ لست الجماعة ولا تتوهم أنَّك على الحق إن كُنت وحدك.
5️⃣ من يُبغِضهم الله وعلامتُهم.
6️⃣ الهرج: الكذِب والقتل.
7️⃣ مجانين بشهادة النبي، يقتُل بعضُهم بعضًا.
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فهو المهتَد، ومن يُضلِل فلن تجِدَ له وليًّا مُرشِدًا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّهُ وخليلُه، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كُلِّه ولو كرِه المشرِكون… فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهُداهم إلى يوم الدين.
أمَّا بَعْدُ إخوة الإيمان: لعلنا جميعا نسمعُ ونشاهدُ معًا، ما يُدمي القلب ويجرحُ الفؤاد، ويُحزِن النفس، مما حلَّ بالمسلمين في هذه البلاد، ولعلَّ مِن أعظَمِ البلاء أن يقتُل الرجل أخاه، وأن يقتُل المسلِمُ جار… كُلُّنا يسمع ويرى وقليلٌ من يتفكَّرُ ويتأمَّل، والعاقِل من يُعمِلُ عقله …
تفكَّرتُ في حالنا أيها الأحبَّة، تفكَّرتُ فيما سأقوله والكلامُ كثير والشرحُ يطول، فآثرتُ أن أتذاكَر معكم اليوم آيتين وحديثين؛ أمَّا الآية الأولى – أيها الأحبَّة- فهي قوله تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)) [الأنعام:82].
لم يظلموا أنفسهم بالشرك فهو أظلمُ الظُلم، ولم يظلموا أنفسهم بالمعاصي والذنوب، ولم يظلموا غيرهم من الناس، أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ، لهم أمن الدنيا، وأمنُ الآخِرة يوم القيامة.
في هذه الأزمة العصيبة التي نمرُّ بها، رأينا كيف فقد كثيرٌ من الناس الأمن، رأينا كيف استزلت الشياطين والنفوسُ الأمَّارة، بعضَ الناس لكي يُسيئوا إلى جيرانهم، لكي يُسيئوا لإخوانهم، لكي يُسيئوا لجيرانهم، لكي يُسيئوا لأصهارهم، لكي يُسيئوا لأرحامهم …. يستغلّون خلافات الفصائل ليسيئوا لمن يحقِدون عليه من المسلمين، هؤلاء القومُ أيها السادة استزلَّهم الشيطان فظنّوا أنَّهم يُنفِّسون غيظهم بفعلهم ذلِك، ولم يعوا أنَّهم فقدوا الأمن والأمان؛ نعم، عِندما تُسيء لجيرانك، عِندما تُسيء لأهلِك، عِندما تُسيء لمن حولك من الناس، ولو كُنت منتصِرًا، ولو كان أمامك من أمامَك، وخلفَ ظهرِك من خلفَك، فلن تشعُر بالأمن والأمان، لن تأمن على نفسِك، ولن تأمن على مالِك، ولن تأمن على أولادِك … ولعلَّ جُلَّنا يذكُر أيُّها الأحبَّة، يوم كان النظام المجرم في أوجِ قوَّتِه، وعزِّ تكبُّره وتجبُّرِه وتسلُّطِه على الناس، يوم ثار الناس عليه، فظلمهم وقتلَ منهم، لم تعد حينها دوريَّةٌ له تأمن السير بعدَ المغرِب؛ وكلُّ من سيظلِم الناس –من أي الفُرقاء كان – سيفقِد الشعور بالأمن والأمان… لن يأمن على نفسِه… ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)) [الأنعام:82].
مَن لم يظلِم الناس، ولم يُعادِ الناس، ولم يؤذ جيرانه ومن حوله، مِن أيِّ الفُرقاء كان، سيشعُر بالأمن والأمان، وسيشعر براحة البال، وهدوءِ النفس، وسيُدافِع عنه أهله وجيرانه وأبناء قريته فيما لو تعرَّض له أحدٌ بسوء.
أمَّا الآية الثانية التي خطرت على بالي وانقدحت في ذهني فتدبَّرتُها وتأمَّلتها وربطّتها بحالنا، فهي ما قصَّه الله تعالى علينا في سورةِ الأعراف مِن جوابِ نبيِّ الله موسى عليه السلام لقومه يوم سألوه و ((قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا …[أوذينا مِن قبلِ الثورةِ ومن بعدِها؟! .. فماذا كان جواب نبيِّ الله موسى: …] قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)) [الأعراف:129].
ولعلَّ هذا ما نشهده ونراه بأعيننا من يومِ حُرِّرت مناطِقنا هذه إلى يومنا هذا، ((عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)) … وعسى أولئك الفرقاء المتقاتِلون الذين ظلموا أنفسهم وإخوانهم، عسى يفهموا هذا المعنى ويعرِفوا أن الانتصار إنما هو اختبار، الانتصار ليس مكرُمةً أيها السادة، الانتصار فتنةٌ جديدة واختبارٌ جديد، هذا إذا كان انتصارًا حقيقيًا، فما بالكم بانتصارٍ وهميّ ينتصِر فيه الأخ على أخيه، يومًا ويومين، ساعةً وساعتين، ثمَّ لا يلبث أن تتغير توزُّعاتُ السيطرةِ والنفوذ، فإذا بهذا المنتصِر لا يقِلُّ سوءًا عن ذاك، ((قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)) [الأعراف:129]، ينظُرَ كيف تعملون، فيُقيمَ الحُجَّة عليكم، ينظُرُ الناس ويشهدون فيرون شنًّا وافق طبَقَهُ، وعندها يكون الحلُّ والفرج مِن الله سبحانه، حينئذٍ يسقطُ من سقَطَ في تجرِبة الانتصار، يسقُط من سقَط في ذاك الاختبار…
كثيرٌ من الناس في زماننا – أيها السادة – يظنون أنَّهم من شعب الله المُختار، ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ )) [المائدة:18].يرون الحق عندهم فقط يرون الخير لديه وحدَهُم!!
كثيرٌ من الشباب، وكثيرٌ من المتصدِّرين اليوم، عشعشت في أذهانِهم مقولةٌ فهموها فهمًا خاطئًا، فأدَّت لانحرافهم، وزيَّن له الشيطان بها أعمالهم، لما زرعوا في عقولهم مقولة: “أنت الجماعة ولو كنت على الحقِّ وحدك” … فتوهم كل واحد منهم وتخيَّل نفسه وكأنَّه الصدِّيق، في معشرِ كُفَّار قُريش، فهو على الحق وإن كان وحده!! أخي: هذا يكون عندما تكون بين الكفَّار والملحدين، أمَّا بين المسلمين، فلتعلم أنَّ الله تعالى من فوق سبع سماواتٍ يبغضُك، عندما ينفِرُ المسلِمون عنك ويكرهوك، إلا إن كنت تعتقد بأنَّ هؤلاء الناسَ جميعًا كُفَّارٌ ومشركون، وتعتقِد فيهِم مُعتقَدَ الخوارِج، ودليلي على ذلك الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم؛ حديثٌ قُدسي يروي النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن ربِّه تبارك وتعالى فيقول: “إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، [… يُحبُّه المسلمون ويأمنُه المؤمنون… وإنَّ الله تعالى …] وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ”.
لا تتوهَّم أبدًا بأنَّ المسلمين المؤمنين الموحِّدين، إذا أبغضوك فأنت على الحقِّ ولو كُنت وحدك، مقولةُ باطِل تخالِف ما صحَّ عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وما توافقت عليه هذه الأمَّة مِن عِصمةِ مجموعها وسلامةِ إيمانها، فمن أبغضَهُ المسلمون جميعًا، فالله تعالى يُبغِضُه مِن فوق سبع سماوات، إن كان هؤلاء القومُ مسلمين مؤمنين…. هذا الحديث الأوَّل الذي وقع في نفسي من أنَّه يصِف شيئًا مِن الحال التي وصلنا إليها.
أمّا الحديث الثاني الذ يوصِّف حالنا، فهو الحديث الحسن الذي أخرجه الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعريِّ – رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ. قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَال: “الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ” […. قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَال: “الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ” … لاحِظوا كيف بدأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالكذِب قبلَ القتل، فجلُّ ما نرى مِن القتلِ والقِتال مرَدُّه إلى الكذِب الذي يهدي إلى الفجور، وقد أفردنا له يومها خُطبةً كاملة… قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَال: “الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ” …]
قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ؟ قَالَ” “إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ” قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟! [… سبحان الله، في بروسنا عقول ومنشتغل هيك شغل ؟!!…] قَالَ: “لَا، [ يعني ما فيهم عقل، هدول مجانين… قَالَ: “لَا،] إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ”. [ … ينزِع الله عقولهم، ويتحكَّمُ فيهم المجانين والسفهاء، حتى يحسبُ أحدهم أنَّه على شيء وهو ليس على شيء…].
نعم أيها السادة، هذا هو الحديث الثاني الذي وددت أن أتذاكره معكم، وهو يصف حالنا ويُشخِّص وضعنا وقد تسلَّط السفهاء وجاراهم الجهال والحمقى…
الجهال والحمقى يقتُل بعضهم بعضًا، فما بالكم أنتم، وقد غدا الجارُ يُسيءُ إلى جاره، والصِّهرُ يسيءُ إلى حماه، والأخ يُسيءُ إلى أخيه، والولد يُسيءُ إلى عمِّه وأبناء عمِّه، يستغلُّ سفيههم خلافات الفصائل لكي يؤذي من حمل في نفسه عليهم، ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)) [الأحزاب:58].
مِن أكبر الإثم ، وأعظمِ البُهتان أن تُسيء إلى مجتمعِ المؤمنين مُستغِّلًا هذه الظروف.
حذَّرتُك وأحذِّرُك، هذه الفصائل إلى زوالٍ عاجِلًا أم آجِلًا؛ فإما أن يُفني بعضُها بعضًا، أو أن يستبدِلها الله، أو أن يُعِّزَّ الله الإسلام والمسلمين فتغدوا لنا دولةٌ لها حكومةٌ وجيش ولن يبقى يومها فصائل …
عندما ستنتهي الفصائل كيف سيكون موقِفُك وقد أسأت إلى أهل قريتك، وقد أسأت إلى جيرانك، وقد ظلمت الناس؟!!
إن كنت ممن فعل ذلِك، ولم يتدارك فيستسمِح ويُصلح، فحينها لن تنعم بالأمن والأمان، ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)) [الأنعام:82].
الله اجعلنا ممن يأمنون في الدنيا، ويأمنون في الآخِرة يوم الفزعِ الأكبر، اللهم ولِّ علينا خيارنا ولا تُسلِّط علينا بذنوبِنا سفهاءنا وشِرارنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين…
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفِرين.