لقد تابعت جبهة العمل الوطني لكرد سورية جملة من الأحداث الجارية والتطورات المتلاحقة فيما يخص ثورة شعبنا السوري البطل المستمرة منذ سبعة وعشرين شهراً، على الصعيد الداخلي والخارجي، ورأت أنه لا بد من الوقوف عندها والتعرض لها بشيء من التفصيل.
فعلى الصعيد الداخلي:
هناك الحصار على عفرين، وانقطاع أخبار قيادة المجلس العسكري الكردي، واتفاق بعض الفصائل الكردية والعربية على إسقاط النظام الأسدي بجميع رموزه، وتضعضع الوضع العسكري في جبهة القصير.
وعلى الصعيد الخارجي:
ثمة القرار الأمريكي والغربي بتسليح المعارضة السورية، والقرار المصري بقطع العلاقات مع النظام الأسدي وطرد السفير الأسدي من مصر ومؤتمر نصرة العلماء المسلمين للثورة السورية، والموقف الروسي المتماهي مع الموقفين الأسدي والإيراني في محاربة الشعب السوري حتى النهاية.
الحصار على عفرين:
مضى على حصار منطقة عفرين أكثر من أسبوعين، هذا الحصار الذي شل جوانب الحياة كلها على وجه التقريب، وأذاق الناس الشدة وشظف العيش، وزادهم بؤساً على بؤس.
ولئن كان السبب الذي يسوقه أولئك الذين يفرضون هذا الحصار على المنطقة، هو المواقف السلبية المرفوضة لفصيل كردي من الحصار المفروض على بلدتي نبل والزهراء المواليتين للنظام الأسدي والمساندتين له بالشبيحة، فإن هذا الحصار يمس بآثاره الاقتصادية والاجتماعية الطبقات الفقيرة من المدنيين، لاسيما الأطفال والنساء والعجزة، لأن الشباب أصلاً قد هاجروا من المنطقة بحثاً عن فرص عمل خارج سورية، الأمر الذي يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وتهديداً لحياة الناس، وإساءة للجيش الحر وسمعته بين أبناء الشعب الكردي، ولا يمس الحصار الأكراد وحدهم، بل أولئك العرب النازحين والفارّين من جحيم المعارك في مناطق سورية أخرى، ويقرب عددهم من نصف مليون، فضلاً عن نصف مليون آخر من أهل المنطقة!
إن الصراع بين متقاتلين يجب أن يكون بمعزل عن المدنيين، ويجب أن لا يؤاخذ البريء بتهمة المتهم أو المذنب، وإن هذا الحصار يجب أن يرفع فوراً، ومن حقنا أن نسأل: هل الجيش الحر يفرض الحصار الاقتصادي على المناطق السورية التي ما زالت تخضع لسيطرة النظام الأسدي؟ أم أن الحالة الكردية يجب أن ينظر إليها من جانب النظام والمعارضة من منظار واحد؟ الأمر الذي يرسّخ الشعور بالتمييز!؟
وفي هذا الصدد لا بد من توضيح؛ وهو أن الكرد السوريين في غالبيتهم العظمى يقفون مع الثورة السورية المباركة على العصابة الأسدية الحاكمة، وأن مطالب الشعب في الحرية والكرامة وحكم نفسه بنفسه، وتحقيق العدالة والمساواة وإلغاء السيطرة الطائفية والدكتاتورية والحكم الوراثي من سورية هي مطالب كردية وسورية منذ 12آذار2004، وتم التأكيد عليها يوم 15آذار2011 مرة أخرى بانحياز الكرد إلى جانب الثورة، وإن صوتاً نشازاً هنا، أو موقفاً فئوياً آنياً هناك لا يغير من الأمر شيئاً.
اختفاء قيادة المجلس العسكري الكردي وانقطاع أخبارها:
منذ نحو شهر ونصف الشهر أخبرنا أناس من المجلس العسكري الكردي في حلب أن ثمانية ضباط من قيادة هذا المجلس قد غادروا مقرهم وتوجهوا إلى كردستان العراق بناء على دعوة رسمية، وأنهم أو أي واحد من أهلهم لم يتلقوا من هؤلاء الضباط أي خبر يفيد أنهم قد وصلوا إلى أرض كردستان، أو متى سيعودون؟
وعلى الفور أجرينا اتصالاتنا بمعارفنا في كل من سورية والعراق، كما أجرى أصدقاء لنا اتصالات مع ديوان الرئاسة في كردستان العراق، وقد أفادونا بعد التحري أن هؤلاء الضباط لم يدخلوا أرض كردستان.
إن المطلوب ـ لدواع إنسانية وسياسية ومن منطلق قومي ووطني ـ إطلاق سراح هؤلاء الضباط، الذين هم ذخر الكرد السوريين، أوالكشف السريع عن مصيرهم وطمأنة ذويهم، وإن أي أذى أو مكروه يلحق بهم ـ لا سمح الله ـ سيتحمله الذين يسيطرون على الحواجز والطرقات في منطقة الجزيرة.
اتفاق بعض الفصائل الكردية والعربية على إسقاط النظام الأسدي بجميع رموزه:
إننا في جبهة العمل الوطني لكرد سورية نبارك الاتفاق المبرم بين حركة المجتمع الديموقراطي الكردي والمجلس العسكري الموحد لمدينة الباب وريفها والمجلس الثوري المحلي في مدينة منبج وريفها، الذي يتضمن إدانة جرائم النظام بحق أهلنا والتعاون بين الفئات المجتمعية على إسقاط النظام ورموزه والحفاظ على سورية موحدة أرضاً وشعباً ودولةَ.
وتضمن الاتفاق الجديد في الشمال الحفاظ على حقوق جميع مكونات الشعب السوري ورفض أي اعتداء عليه وتحييد المدنيين عن النزاعات العسكرية والاتفاق على وثيقة عمل مشترك.
ونتمنى أن يشمل هذا الاتفاق المناطق الكردية الأخرى في سورية، لاسيما عفرين التي يدفع أهلها المصابرون ثمن أخطاء لم يرتكبوها.
تضعضع الوضع العسكري في جبهة القصير:
لئن حقق الروافض بعض التقدم في جبهة القصير، لأسباب يعرفها القاصي والداني، فإن مصير ثورتنا المباركة لم يرتبط يوماً بالقصير، وإن الحرب سجال، كرّ تارة وفرّ تارة أخرى، وإعادة تموضع وتوزيع للقوات، والعبرة بالنتائج، ولم يحدث أن حقق قطعان الغزاة المرتزقة الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت انتصاراً حقيقياً على شعب مؤمن بربه وعدالة قضيته وبحقه في حياة حرة كريمة.
الموقف المصري من الثورة السورية وجرائم آل أسد وحلفائه:
لقد تابعنا بإكبار وإجلال وتقدير عال الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، وأكد فيه وقوف مصر قيادة وجيشاً وشعباً (( مع سورية شعبا وإرادة وضد من يحكمها الآن، فيقتل الأبناء ويعتدي على النساء، ويستعين بمن يقتل من خارج أرضه لشعبه))، وأنه لن يهنأ للمصريين بال ولن يغمض لهم جفن ولن تستقر أجسادهم في مضاجعها حتى يروا السوريين الأحرار يقيمون دولتهم الموحدة على كامل ترابهم الذي روته دماء أطفالهم ونسائهم وشبابهم.
وأعلن في خطابه الكريم معارضته لحزب الله، داعياً إياه إلى الانسحاب الفوري من سورية.
وتوجه إلى الشعب المصري قائلاً:
((يا شعب مصر أوصيكم بالعائلات السورية خيراً، وبمعاملة الأشقاء السوريين المقيمين في مصر على الرحب والسعة معاملتهم كالمواطنين المصريين سواء بسواء.))، متابعاً حديثه: ((نحن في مصر الثورة شعبا وقيادة ومؤسسات رسمية ومدنية وقوى سياسية كلنا نقف صفا واحداً مع الشعب السوري حتى ينال حقوقه المشروعة في التحرر من الاستبداد ومن بطش الطغاة والمجرمين، شعب مصر يدعم نضال الشعب السوري دعماً مادياً ومعنوياً ومصر شعبا وقيادة وجيشاً لن تترك الشعب السوري حتى ينال حقوقه وكرامته وسيادته على أرضه الموحدة الجامعة لكل مكونات شعب سورية العريق. وحين يطلب منا الشعب السوري العون فإننا لا نتخلف عن ذلك أبداً، ندعم نضال أشقائنا في سورية من أجل الحصول على الحرية في اختيار من يحكمه، ونحن نؤكد هنا أننا ندعم سورية الموحدة تحت قيادة جديدة منتخبة تمثل كافة أطياف الشعب السوري، ولن يقبل الشعب المصري ما يرفضه شقيقه السوري من محاولة النظام السوري الحالي في سورية إنتاج نفسه من جديد ليكون جزءاً من المستقبل السياسي لسورية، قلنا ونؤكد أنه لا مجال للنظام السوري الحالي في مستقبل سورية على الإطلاق، بعدما ما ارتكبه من إجرام في سورية قتلاً وتعذيباً وهتكاً للأعراض وإهداراً للكرامة الإنسانية)). مشبّهاً سورية بالنسبة لمصر بجناحها الشرقي، وبالرئة التي تتنفس بها مصر.
لقد أثلج هذا الخطاب صدورنا بالرغم من تأخره كثيراً، وأعاد لمصر بعض دورها العربي والإقليمي الذي انتظرناه طويلاً. إنه الموقف المشرف الذي يليق ببلد شقيق مثل مصر في موقعها ودورها على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي، كما أنه يعبر عن معاني الأخوة والتاريخ المشترك الموغل في عمق التاريخ بين مصر وسورية، وندعو الدول الأخرى التي ما زالت تقيم علاقات دبلوماسية مع نظام أسد أن تحذو حذو الشقيقة الكبرى مصر الكنانة، الذي يستحق منا كل تحية وتقدير وإكبار.
وإن ننس فلن ننسى موقف علماء العالم الإسلامي، من أهل السنّة والجماعة، وبخاصة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذين أعلنوا تضامنهم الكامل مع الشعب السوري في ثورته المباركة، ودعوا إلى الجهاد على ثرى سورية الطهور ضد الروافض الطائفيين الذين يكيدون للمسلمين وأوطانهم ويستحلّون الحرمات، ويحولون بينهم وبين حكم أنفسهم بأنفسهم. فلهؤلاء العلماء الأفاضل منا كل تبجيل وتقدير وتحية.
القرار الأمريكي والغربي بتسليح المعارضة السورية:
إن القرار الأمريكي والغربي القاضي بتسليح المعارضة السورية بعد طول انتظار، وبعد التحقيقات الغربية التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام الأسدي قد استعمل الأسلحة الكيميائية ضد المعارضة والمناطق المدنية السورية، إن هذا القرار هو موضع تقدير بالنسبة إلينا في جبهة العمل الوطني لكرد سورية، ونتمنى أن لا يكون موضع تجاذبات ومناورات سياسية، وأن يقترن القول بالفعل على الأرض، وأن تكون الأسلحة التي ستقدَم للثوار ذات نوعية جيدة يحتاجها الثوار، وتحدث تغييراً في موازين القوى على الأرض، لا من باب ذرّ الرماد في العيون، وأن يقترن مع هذا القرار إيجاد ملاذات آمنة، وتأمين ممرات لتوصيل المساعدات الطبية والإنسانية الأخرى العاجلة إلى المناطق السورية المنكوبة.
الموقف الروسي المتماهي مع الموقفين الأسدي والإيراني في محاربة الشعب السوري:
نعجب أشد العجب من الحكام الروس وهم يصرون على موقفهم المخزي في تسويغ الإجرام الأسدي، ومساندة الطاغية بشار في حرب الإبادة التي يشنها على شعبه، هذا الموقف المغلّف بحجج وذرائع هي أوهى من خيط العنكبوت، وكأنهم روافض فرس إيرانيون يعيشون في القطب الشمالي، تحركهم أوهام وأحقاد عمرها قرون متطاولة، دون أن يكون لديهم أدنى استعداد للاستفادة من عبر التاريخ ودروسه، ودون أن يحسبوا أدنى حساب لغضبة مليار ونصف مليار مسلم نتيجة هذا الموقف.
إننا في هذا المقام نتوجه إلى العرب والمسلمين، قادة وشعوباً، لأن يلجؤوا إلى طرد السفراء الروس من بلادهم، ومنع التعامل مع الشركات الروسية، سواء على صعيد النقل والمواصلات، أو السياحة والتجارة، والقيام بحملات مقاطعة للبضائع والمنتجات الروسية، هذا السلاح الذي يخيف أعتى الدول وأشرسها، وأثبت جدواه في كثير من الأحيان.
كلمة أخيرة:
إن العالم الذي تفرّج ـ ومازال ـ على الشعب السوري على مدى سبعة وعشرين شهراً كيف يذبح وتدمّر مدنه ويهجّر الملايين من أبنائه على يد عصابة مجرمة مجردة من اي خلق أو قيمة إنسانية أو رادع،… إن هذا العالم يجب أن يكفّر عن خطيئته وينهض لمساعدة الشعب السوري المثخن بالجراح، ويقدّم يومياً عشرات الشهداء قرباناً في سبيل الحصول على حريته وحق تقرير المصير، وهو جدير به.
وصدق الله العظيم القائل:((كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)) سورة المجادلة/ الآية 21.
الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى، والنصر للأبطال في سوح الوغى، والخزي والعار للعصابة الأسدية المجرمة وحلفائها.
قيادة جبهة العمل الوطني لكرد سورية
9 / شعبان / 1434هـ
18 / 6 / 2013م