#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
سلسلة الأسرة المسلمة (7)
إكرام الزوجات وجوبه ونتائجه
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 30 دقيقة.
التاريخ: 4/ربيع الثاني/1439هـ
الموافق: 22/كانون الأول/2017م
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ.
2⃣ أهمية السكَن الروحي والسعادة الأسرية.
3⃣ مودَّةً ورحمة، وإن افتُقِد الحبّ.
4⃣ خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ .. لا تُمثِّل خارج البيت.
5⃣ عهد الزواجِ على المرأة.
6⃣ ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ.
7⃣ لا تقارن زوجتَك بما تسمع مِن حولِك فكلُّهنَّ ناقصات.
8⃣ مظاهر إكرام الزوجة الواجبة على الرجل.
9️⃣ لابدَّ من التغافُل عن الزلّات والإحسان مع العدل.
🔟 لا تنس الدعاء لزوجتك.
🔴 الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
صلاة على النبي ودعاء فقط
رابط الخطبة على الفيسبوك
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فهو المهتد، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسوله وصفيُّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كُلِّه ولو كرِه المشرِكون، فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهُداهم إلى يوم الدين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
إخوة الإيمان يقول الله تعالى في مُحكَمِ تنزيلِه وهو أحكم القائلين: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
إخوة الإيمان والعقيدة، من فضل الله علينا معاشِر المسلمين أن جعلنا أمَّة تتكاثر ويأتي أبناؤها من نكاحٍ حلالٍ طيِّب، فمنَّ الله على المسلمين بعِفَّة الزوجات، وبمعرفةِ نسَبِ الأولاد والبنات، جعل الله لنا من الآية التي جعلها في خلقه من الآياتِ الباهرات… جعلها للمسلمين بما شرع لهم نعمةً مِن النِّعمِ الظاهرات، نعمة الطمأنينة والسكن النفسي، نِعمة السَّتر والمودة والرحمة، تلك النعمة التي افتقدتها الأمم التي شذَّت عن شرع الله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
هذه الشهوة التي جعلها الله في خلقه ذكورا وإناثا من مختلف الأجناس، وجعل فيها آيةً لتدوم الحياة ولتستمِرَّ ما شاء الله لها أن تدوم وتستمر حتى يرث الله الأرضَ ومَن عليها، هذه الشهوة، جعل الله لها ضوابط في الشرع تميِّز الإنسان عن الحيوان، بل تحقق السعادة الحقيقية له، تلك السعادة التي لا تتأتى بمجرَّد قضاء الوطَر والشهوة، تلك السعادة التي لا ينالها الإنسان إلا بسكنٍ روحي، وطمأنينةٍ نفسيَّة، وهدوءٍ عاطِفي واستقرارٍ أُسريّ… وهذه كلُّها أهدافٌ أتى التشريع الإسلامي وأتت السنَّة الشريفة لتوجِّه إلى طريق الوصول إليها.
وكان مما أتت به آيات القرآن وسنَّة النبيِّ العدنانِ في هذا الباب _ في باب السعادة الأسرية والاطمئنان النفسيّ _ الأمر بإكرام النساء والإحسان إلى الزوجات، وأوَّل ذلك يكون بأن نعي ما ذكرته الآية الكريمة عند قولها تعالى: (( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)). إذ لابدَّ أن تعي أيها المسلم بأنَّ مبنى العلاقة بين الرجل والمرأة في الأسرة إنَّما هو على المودَّة والرحمة، على العطف والحنان، على الشُكر والتغاضي… ليس على الحبِّ والغرام، فالحبُّ إن كان موجودًا فنعمةٌ وخيرٌ وأمرٌ طيِّب، ولكنَّ الحبَّ يبرد بعد حين، ولكنَّ الحبَّ يتغيَّر، وكم من شابٍّ أحبَّ فتاةً لشكلها، فإذا بشكلها يتغيَّر بعد أوّل مولود فيبرُدُ حبُّه شيئًا فشيئا… فلو كانت الأسرة ستقوم على المحبَّة لانهارت عاجلًا أم آجلًا، لأنَّ الحبَّ يتناقص مع العشرة أحيانًا، لأنَّ الحب يتناقص بتغيُّر الأسباب التي شجَّعت عليه، أما المودَّة والرحمة فهي مع العِشرة وزيادة الأولاد تتزايد وتكبر وتنمو…
فأين الراحمون لزوجاتهم، أين العاطفون على نسائهم، أين المقتفون لسنَّة نبيِّهم، وهو الذي وقف في أعظم مشهدٍ في الشهر الحرام وفي المشعر الحرام يوم حجَّة الوداع، وقف – روحي فداه – مذكِّرًا بحقوق النساء وبإكرام الزوجات، فقال روحي فداه: “فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” [صحيح مُسلِم].
اسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، أي بما أحل الله من النكاحِ الطيِّب الطاهر، الذي ينقلب به الحرام حلالًا والحلال حرامًا (امرأةٌ كانت أجنبيَّةً حرامًا فغدت زوجته وحلاله، وأمُّها حرُمت عليه كحرمةِ أمِّه …)، فاتقوا الله فيما أحلَّ لكم منهنَّ…
((وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ)): والمقصود أن لا يُدخِلن بيوتكم من تكرهون دخوله ممن يحلُّ له الدخول، من المحارِم والأقرباء والنساء، وليس المعنى الزنا، فذلك يوجب ما هو أعظم من الضرب المبرِّح، ذلك يوجب الحدَّ الأليم…
نعم أيها السادة، لكم عليهنَّ أن لا يُدخِلن بيوتكم من تكرهون، فإن فعلن ذلك، أي إن عصين أوامركم، وخالفنَ مشورتكم، وأدخلن من لا تريدون إلى بيوتاتكم، فاضربوهنَّ ضربًا غير مبرِّح، ضربا غير مؤذٍ، ضربًا لا يترك أثرًا، لا يترك صِبغًا ولا لونا، لا يخدِش جلدًا لا يكسر عظمًا، ولا يكون على الوجه، لقول النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- ولا تضرب الوجه ولا تقبِّح، ضربًا يُخاطِب الكرامة الإنسانية، لا ضرب تعذيبٍ وإيلام… (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي بمقدار الاستطاعة وبما لا تقصير فيه مما تعارف الناس على لزومه، ولتعلموا أيها الأحبَّة أن الرجل المقصِّر مع أهل بيته ليس رجلًا خيِّرًا، ولتعلموا أيها الإخوة أن خير الرجال هو خيره لعياله وأهل بيته،
خيرُ الرجال، ليس خيرهم مع أصدقائه، وليس خيرهم مع إخوانه، وليس خيرَهم مع قراباته … بقدر ما هو خيرهم لعياله ولأهل بيته، وفي هذا نسمعُ الحديثَ الصحيح الذي أخرجه ابن ماجه والتِّرمذي وفيه يقول – روحي فداه -: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» … ولكم نرى من يتظاهر بين الناس بالجودِ والكرمِ والأخلاق العالية، فإذا به مع أهل بيته بخيلًا شحيحًا بذيء اللسان سليط اليد…
أيها السادة خير الناس أخلاقا ومعاملة وخيرهم جودًا وكرمًا، هو خيرهم في ذلك مع عياله، وفي البخاري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي (فَمِ) امْرَأَتِكَ” … ما تجعله في فمِ امرأتك يُكتب عند الله صدقةً هي مِن أفضلِ الصدقات، ويُكتب لكَ أجرًا من أعظمِ الأجر، كيف لا وأنت ترعى وصيَّة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وقد أخرجها الإمام أحمد في مُسندِه، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : “كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)) حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ”.
رسول الله وهو يموت يلجلجها في صدرِه ولا يَفيضُ بها لسانه، موصيًا أمَّته: ((الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)).
يموت رسول الله وهو يوصيك أيها الإنسان بمفتاحين من مفاتيح السعادة، مفتاحُ سعادةٍ في الدنيا ومِفتاح سعادةٍ في الآخِرة.
أمَّا مفتاح المفتاح الأول فهو الصلاة، وهي أول ما ستُسأل عنه يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عملك، وإن فسدت فسد سائر عملك.
أمَّا المفتاح الثاني، وما ملكت أيمانكم؛
وما ملكت أيمانكم، مفتاحٌ من مفاتيح السعادة إن استوصيتم بهم خيرًا، عطفكم عليهنَّ سببٌ لتنالوا السعادة في الدنيا … إن رُمتم أيها الأحبَّة، إن رُمت أيها الأخ، إن رُمت أيها العزيزُ السعادة والاستقرار والهدوء النفسي والطمأنينة في دارك، إن رُمت راحة البالِ والتأمين بعد الله تعالى على نفسك ومالك وعيالك، فأكرم زوجتَك ولا تُهنها، استر عليها ولا تكشِف سِرَّها، أنفِق عليها مما رزقَك الله، أشعرها بالعطف والحنان، فهي تركت أمًا حنونة وأبًا عطوفًا وأتت لتكون أسيرةً في عصمتك، ولتكون مزرعةً لك تنبت لك الذرِّية، فإن أحسنت إليها أحسنت في مزرعتك وحرثِك، وعِشت مُرتاح البالِ وكان حرثُك وزرعُك مباركًا طيِّبا، وإن قصَّرت معها فلا تلومنَّ إلا نفسك…
إيَّاك إيَّاك أن تبرِّر تقصيرك ببعض خللٍ أو نقصٍ عند امرأتِك، فالله تعالى يقول وقوله الحق: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء: 19].
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، آنِسها ولا تنفِّرها، قرِّبها ولا تبعِّدها…
العشرة بالمعروف، تكون بأن تتغاضى عن بعض زلاتها تكون بأن تتغاضى عن بعض هفواتها مما يُمكِنُ التغاضي عنه، العشرة بالمعروف تكون بأن لا تتتبَّع عثراتِها …. فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً…
وفي هذا مما رواه الإمام مُسلم يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)) .. فالكمال لله، والإنسان ناقِص، والعبرة بأن يكون النفع أكبرُ من الضرَر، وأن تكون الإيجابيات أكثر من السلبيات، ((لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً)): أي لا يبغضها، لا يُعاديها، ترى في بعض الأسُر – والعياذُ بالله- عداءً مستفحلًا بين الزوج وزوجته؛ يُهنها وتهينه، يتصيد عثراتها وتتصيد عثراتِه، يُشجِّعُ أبناءها على التمرُّدِ عليها وتفعل هي مثلَ ذلك… أي حياةٍ هذه، وأي معيشة … وكأنَّ أولئك نسوا بأنها سنواتٌ معدودة سريعةٌ قليلة سنعيشها … فلنعِشها براحة البال ولنستمتع بما بين أيدينا لكي لا نعش حياتنا متكدِّرين، نأملُ بما لا يُنال … وفي البخاري ومسلم من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» …
المرأةُ خُلِقت مِن ضِلعٍ، والضِلع أعوج، وإن ذهبت تقوِّمها، أن أردت أن تكون زوجتك كالرجال مستقيمةً مئةً بالمئة، كسرتها، وإنَّ كسرها طلاقها.
ولذلِك كان لابدَّ مِن أن تستمتع بها على ما جبلها الله عليه من النقص، إن كرِهت منها خُلُقًا أعجبَك آخر … ولتعلم أيها الأخ بأن المرأة إن كانت طِباعها مستقيمةً كالرجال ستفقِد أنوثتها، ولما كنت شعرت بأنها امرأة، بل لعلك كنت شعرت بها ولكأنَّها رجل مِثلك، ولذلك كان هذا النقص فيها لتنجذِب إليها، ولهذا قال لك رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : «إِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» … لابدَّ أن تستمتع بها على ما هي عليه مِن نقص وتصبر عليها شيئا ما، أوما تُرضِع لك طفلك، أوما تطهو لك طعامك، أوما تنظِّف بيتك وتغسِل ثوبك، أوما تقضي شهوتَك وتستُر عورتك …
إِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، فالكمال لله وحده …
لا تبحث عن المرأة الكاملة وإيَّاك أن تقارِن زوجَك بغيرها فذلك أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك، فعند كلِّ إنسانٍ مقدارٌ مِن النقص لا بدَّ منه، عند كلِّ رجلٍ وعند كلِّ امرأةٍ، عند كل واحدةٍ نقصٌ لا محالة، ولكنَّ البشر بطبعهم لا يُظهرون عيوبهم ولا يفضحون أنفسهم أمام الناس.
كثير من الشباب والرجال يتأثَّرون بمن يسمعون حولهم من النساء، وكلُّ واحدةٍ منهنَّ تمدحُ نفسها ونظافتها وترتيبها ورعايتها لشؤون بيتها، وكم رأينا ذلك فيما مضى بين الموظفين والموظَّفات، على ما كان بينهم من الاختلاط المذموم، فيمدحُ كلُّ واحدٍ نفسه، وتمدَحُ كلُّ واحدةٍ نفسها، ويوسوس الشيطان، فيُقارِن ذلك الجاهِل المسكينُ ما يَسمع بمن عنده في البيت، فينفِر عن زوجته، ويزدري نعمةُ الله عليه … متغافِلًا عن أنَّ كلَّ واحِدةٍ منهنَّ ناقِصةٌ لا محالة، كيف لا وفي البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كَملَ من الرجال كثيرٌ، ولم يَكمُلْ من النساء إلا آسيةُ امرأةُ فرعون، ومريمُ بنت عِمران” فالبحث عن الكمال في النساء متعسِّرٌ بل متعذِّرٌ … فاستمتع بما أنعم الله عليك، لتعيش حياةً هنيئة، أكرم زوجتك وستسعى لإعطائك أفضل ما عندها…
كم رأينا ممن يطالب بأن تكون زوجته امرأةً كاملةً مثالِيَّة، فإذا نظرت في سلوكه وحالِه معها تراه لا يفقه شيئًا مِن معنى الإكرام أبدا …
قبل أن تطالِبها بأن تكون امرأةً مثالِيَّة، أين أنت مِن إكرامها؟ أين أنت مِن إكرامها الذي أمرك رسول الله به؟! أين أنت من الإكرام …
- وأيُّ إكرامٍ أيها الأحبَّة والبعض لا يُنفِق على زوجته؟! أي إكرام وهو لا يعتني بعلاجها ويتابِع مرَضها؟!
- أي إكرام والبعض تراه بعافيته يجلس متقاعِسا وامرأته تذهب لتشتري وتحمِل وتبتاعَ في الأسواق؟! أي إكرامٍ هذا؟ بل أيُّ رجولةٍ هذه؟!
- أي إكرامٍ وهو لا يُسمع زوجته كلمةً جميلةً (ورسول الله يقول: الكلمة الطيبة صدقة)؟!
- أي إكرامٍ وهو لا يأمر أولاده ببرِّ والِدتهم وطاعتِها؟! أي إكرامٍ وهو يُهينُ أمَّ أولادِه، أمام أولادها وبنيها، أمام أحفادِها وأصهارِها، بل يُسمع الجيران توبيخه لها أحيانًا؟!
- أي إكرامٍ وهو لا يشاوِرها فيما يعنيها من شؤون بيتها وبنيها؟!
- أي إكرامٍ هو يفرِّغ فيها شُحنات غضبه وسائر مشاكله وضغطه النفسي في زوجته، وكأن تلك المسكينة لا تعاني ما يعانيه هو من ضغطٍ نفسيٍّ نعيشه جميعًا!! … أي إكرام هذا.
أخا الإسلام، إن رُمت السعادة، ابدأ بالإكرام وأكثِر من الإكرام، واصبِر على الإكرام، فبالبرِّ تستعبدُ الحرّ، والكلمة الطيبة آسِرة، والإنسان أسيرُ من أحسن إليه، فإياك أن تفتُر همَّتك عن ذلك …
واعلم –أخا الإسلام- أنك في هذه الحياة لن تسعد إلا إن تغاضيت عن كثيرٍ من الهفوات، إلا إن تغاضيت عن كثيرٍ مِن الزلَّات، مع زوجتك وبنيك، مع عمَّالِك ومرؤوسيك، مع أصدقائك وأهلك وجيرانك، لابدَّ من التغاضي عمَّا يُمكن التغاضي عنه، لابدَّ مِن الإحسانِ مع العدل.
البعض – أيها الأحبَّة – يتوهم بأنه سيعيش حياته بالعدل، سيُقيمُ بيته بالعدل، سيعمل مع إخوانه بالعدل، والله تعالى قال آمِرًا موجِّهًا: ((إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى …)) [النحل:90]، فالعدل وحده صعبٌ شديد على النفوس، لا تقوم به الأسرة ولا تستقرُّ به العائلة، ولا تهنأ به المعيشة، إلا إن جمعنا معه إحسانًا نتغافل به عن بعض الزلات التي يُمكن التغاضي عنها، نتغافل عن بعضِ زلَّات زوجاتنا، وهنَّ أيضًا يتغافلن ويغضضن الطرف عن بعضِ زلَّاتنا وعيوبنا.
استعن بما ذكرنا من الإكرام والإحسان، والعدل والعطف والمودّة والحنان … وزِد إلى ذلك كثرة الدعاء والتضرُّع إلى الله الحنَّان المنَّان بأن يهدي لك زوجتك ويُصلِح حالها، وستلمِس فرقًا في علاقتك مع زوجتك وبنيك، (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
وللحديث عن علاج المشاكل الأسريّة بقيَّةٌ نكملها إن أحيانا الله إلى قابِل … أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية: صلاة على النبي ودعاء فقط.