بقلم: عبد الرحمن الحاج
أُعلن بيان الرياض2 وأثار موجة من الآراء المتباينة يرجع ذلك من حهة أولى إلى اللغة الملتبسة التي تعمد صانعوه الكتابة بها، وإلى السياق الذي جاء به البيان، فقد جاء البيان في ظل ترتيبات سياسية تقودها موسكو في ظل الوصول إلى نهاية المعارك مع داعش، وتسكين نسبي لجميع جبهات المعارضة، ولا أحد يشك أن هدف موسكو النهائي – التي استخدمت الفيتو مرتين في 24 ساعة لمنع آلية التحقيق الدولية في سوريا من الاستمرار – هو حماية الأسد وإعادة الشرعية له مستغلة جميع التناقضات والخلافات بين الولايات المتحدة والدول الأقليمية وتبدل أولويات وتحالفات هذه الدول.
في حين صدر بيان الرياض1 في ظل محاولة روسيا لعب دور جديد عبر مجموعة العمل من أجل سوريا ISSG بعد أكثر من شهرين من دخولها العسكري الجوي لدعم قوات الأسد التي كانت وشيكة على الانهيار بمواقفة أمريكية، إذ جاء مؤتمر الرياض1 أساساً كانعكاس لتوافقات دول مجموعة العمل كما يشير إليه صراحة، والذي بني عليه لاحقاً القرار 2254.
هذا السياق مهم لفهم الاختلاف الحاصل بين البيانين وأسبابه. والذي يتلخص بالنقاط الأساسية الآتية:
1. بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية:
في حين يتحدث بيان رياض1 بأن “لامكان لبشار الأسد وزمرته” في النظام السياسي الناشئ عن عملية الانتقال السياسي، وهو ما يحتمل بقاءه وعدمه في المرحلة الانتقالية، يحول بيان الرياض2 بقاء بشار الأسد (قبل وبعد الانتقال السياسي) في جميع المراحل إلى مسألة تفاوضية بالرغم من أنه يشدد على أن قناعة المؤتمرين بأن الانتقال السياسي “لن يحدث دون مغادرة بشار الأسد وزمرته ومنظومة القمع والاستبداد عند بدء المرحلة الانتقالية” إلا أن هذا التشديد يبقى فارغاَ من معناه ويصبح مجرد وجهة نظر مع تحويل الأمر برمته إلى أمر تفاوضي.
2. الانتقال السياسي:
نص بيان الرياض1 بوضوح على أن “هدف التسوية السياسية هو تأسيس نظام سياسي جديد” مبني “على البنود الواردة في بيان جنيف (30 حزيران- يونيو 2012)”، وفي إطار “ضمانات دولية مدعومة بقوة الشرعية الدولية”، ولم يذكر البيان “هيئة الحكم الانتقالي” صراحة. في حين بيان رياض 2 يتحدث عن ضرورة المحافظة على “إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية” إلا أن البيان يقول بوضوح أنه “اتفق المشاركون على أن هدف التسوية السياسية” هو تأسيس دولة ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية، بما “يمكّن السوريين من صياغة دستورهم دون تدخل، واختيار قياداتهم عبر انتخابات حرة ونزيهة”، إذا في حين يشير بيان رياض1 إلى أن هدف التسوية السياسية هي “الانتقال السياسي” فإن بيان رياض 2 يختصرها بـ”صياغة دستور” و”انتخابات”، وهذا يعني التحول من مبدأ “الانتقال السياسي” إلى “التحول السياسي”، وهو ما يطابق تفسير موسكو ومشروعها في سوتشي المكون من نقطتين: صياغة دستور أو تعديل دستوري ثم انتخابات.
3. مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية:
في حين يقول بيان رياض1 بأن المؤتمرين تعهدوا بالحفاظ على مؤسسات الدولة و”إعادوة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنيىة والعسكرية” مما يعني أن هاتان المؤسستان ستتعرضان لعمل جذري يغير بنيتهما، فإن بيان رياض2 يقول بأن المؤتمرين تعهدوا بـ”الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وإصلاحها، مع وجوب إعادة هيكلة مؤسساتها الأمنية والعسكرية، وضمان حقوق العاملين فيها”! أي أن الذين خدموا في أجهزة الأمن والمؤسسات العسكرية التي انخرطت كليا في مواجهة الشعب السوري سيكون لها حقوق الرواتب التقاعدية والرعاية وامتيازات نهاية الخدمة بدل من التأكيد على المحاسبة والعدالة الانتقالية، وهو في واقع الأمر يمنزلة تكريم لم يكن من الممكن التصريح به على الاطلاق قبل هذا البيان.
4. البنود فوق التفاوضية:
في حين يصرح بيان رياض1 بأن المؤتمرون يطالبون “الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإجبار النظام على تنفيذ إجراءات تؤكد حسن النوايا قبل البدء بالعملية التفاوضية” فإن حذف تعبير “إجبار” واكتفى بيان رياض2 بالقول إن المشاركين يطالبون “الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتنفيذ بنود قرارات مجلس الأمن، والعمل القوي والجاد لتطبيق القرارات الخاصة” دون أية إشارة إلى أنها جزء من إجراءات حسن النوايا دون أي إشارة إلى القرارات الأممية وبشكل خاص القرار 2254، بل يذهب بيان رياض2 أبعد من ذلك حين يدرج مع هذه البنود “تطبيق اتفاقيات خفض التصعيد بشكل فعلي وحازم” وهو ما يشوش على مرجعية المطالبة بتلك البنود المفترض أنها كانت فوق تفاوضية بالرغم من أنه يصرح بأن “لا تعتبر المطالبة بتنفيذ ماورد في القرارات الدولية شروطاً مسبقة”، ولكن مع عدم الاشارة إلى مرجعية إجراءات حسن النوايا يتحول الأمر كلياً إلى التفاوض.
5. وقف إطلاق النار:
يذكر بيان الرياض1 أن “تنفيذ وقف إطلاق النار” يتم “بناء على الشروط التي يتم الاتفاق عليها حال تأسيس مؤسسات الحكم الانتقالي وفي إطار الحصول على ضمانات دولية مدعومة بقوة الشرعية الدولية” أي أنه ليس قبل اتفاق التسوية، في حين يطالب بيان رياض2 بوضوح بـ”تطبيق اتفاقيات خفض التصعيد بشكل فعلي وحازم” ما يعني أنه قبل بوقف إطلاق النار قبل التسوية السياسية وخلافاً لجميع القرارات الدولية وبشكل خاص بيان جنيف والقرار 2118 وما هو معروف بخطة عنان للبنود الستة التي تمثل أحد أعمدة القرار.
6. مرجعية الوفد التفاوضي:
في حين يقول بيان رياض1 إن الهيئة التفاوضية ستكون هي مرجع الوفد التفاوضي دون الإشارة إلى مرجعيتها، ينص رياض 2 على أن البيان الصادر عن المؤتمرين هو “المرجعية الوحيدة للهيئة” دون الإشارة إلى مرجعية الوفد التفاوضي، وهو ما يترك الباب مفتوحاً لإنشاء مرجعية جديدة.
لا شك أن الالتباس في البيان الجديد والفراغات الموجودة فيه كانت متعدة لتلائم الظروف التي عقد فيها المؤتمر وتحقق المخرجات التي كانت متوقعة سلفاً، ومن الممكن المجادلة في حدود تأثير تلك التغييرات و مدى تأثيرها على الحل السياسي إلا أن العامل الأساس الذي يحسم هذا الجدل هو تركيبة الوفد التفاوضي والسياق الذي ولد فيه.