التوعية النوعيةالثورة السوريةخطبخطبة الجمعةكاتبمتابعات وتوجيهاتمحمد أبو النصر

مذبحة سربرينيتشا ودرس المناطق الآمنة

خطبة الجمعة - مذبحة سربرينيتشا

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

مذبحة سربرينيتشا ودرس المناطق الآمنة

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 34 دقيقة.

التاريخ: 7/ صفر /1439هـ
الموافق: 27/ تشرين الأول /2017م

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ في السياسة ليس كل ما نقبل به نرضى عنه.
2⃣ لا يُكلِّف الله نفسا إلا وسعها.
3⃣ حرب البوسنة ومعلومات عن تلك البلاد وإسلام أهلها.
4⃣ الأمم المتحدة لحرب المسلمين وظلمهم.
5⃣ سريبرينيتشا، منطقة آمنة لسنتين تبعتها مذبحةٌ شنيعة.
6⃣ خُدعة تسليم السلاح والمناطق الآمنة.
7⃣ التحذيرُ من طُرقِ سحبِ السلاح المختلفة.
8⃣ تجربة سنوات الثورات العربية ومحاولات نزع سلاح الشعوب.

🔴 الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
9️⃣ دعاء فقط

 

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

 

ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستهديه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فهو المهتد، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسوله وصفيُّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كُلِّه ولو كرِه المشركون، فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأُمَّة وكشف الله به الغُمَّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمقتضاها فقد أفلح وفاز فوزا عظيما، فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهُداهم إلى يوم الدين، أمَّا بعد إخوة الإيمان:
يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة:286] ويقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)) [المؤمنون:62].

إخوة الإيمان والعقيدة، أيها السادة المؤمنون: كثيرٌ من الأحبَّة والإخوة والخِلاّن يسألنا عن النظرة الشرعية أو الموقف العقلاني من المتغيرات السياسية التي تجري في بلدنا مؤخَّرا، ولعل كثيرا من الشباب يُشكل عليهم فهم ما يجري لأنَّهم لم يستوعبوا معنى قول الله تعالى: ((وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))، ولأنَّ البعض شدَّد على نفسه بما لا ينبغي التشدُّد به ولا التشديدُ عليه، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ)) [رواه البخاري] ، أي لن يتشدَّد أحد في هذا الدين في مواضع منه لا يجب التشدُّد فيها إلا كان هو أوَّل من يُغلب وأوَّل من لا يستطيع الثبات والتشبث برأيه وبتشدُّدِه، ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ)).

فرقٌ كبيرٌ أيها الأحبة بين ما نقبَل به وما نرضى عنه، الرِّضى؛ ما نرضى به شيء وما نقبل به شيءٌ آخر، الرضى يكون طواعية عن رغبةٍ وحب، وفي كثير من الأحيان نضطر لأن نقبل بأمور لا نرضى عنها، إنَّما نقبل بها من باب أخف الضررين، وأهون الشرَّين…
هكذا يكون العمل في السياسة أيَّها الأحبة، الدين أتى بقواعد كُليَّة، الله بين لنا حلالا وحرامًا وسكت عن كثير من الأمور المباحة لكي نجتهد فيها، فيكون الاجتهاد فيما نستطيع تحمُّله ولا يكلِّف الله نفسًا إلَّا وُسعها، ولكن هذا الذي نقول لا يعني الاستسلام، ولا يعني أن أبدا الخنوعَ والخضوع، ولا يعني ما يتوهمُه البعض بأن نكون ريشةً في مهبِّ رياح المتصارعين، بأن نكون ريشة في مهبِّ رياح الدول العظمى…

لذلك أيها الأحبَّة، أحببت أن أنبِّه متحدِّثًا في إطار ما يتسعُه الوقت عن أمرٍ مُهمٍّ جلل خطير لا بد أن نكون صاحين له وأن نكون واعين له في الأيام القابلة، مُذكِّرًا بقصة من تاريخنا القريب لم يمض عليها عشرون سنة لكي نتعظ ونعتبر ورحم اللهُ من قال:
اقرؤوا التاريخَ إذ فيه العِبَر *** ضلَّ قومٌ ليس يَدْرُون الخَبَر

التاريخ – أيُّها الأحبَّة- مدرسةٌ لا يغفَل عنها إلَّا الجُهَّال، العاقِل المؤمن الكيِّسُ الفطِن يتَّعِظ بالتاريخ ويتَّعِظ بأخبار السابقين ولذلك قصَّ الله علينا في القرآن كثيرً من أخبار وأنباء الأمم السابقة، ليست قَصَصًا للتسلية وإنَّما هي للعظة والاعتبار،
قال تعالى: ((كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا)) [طه:99]

وقال تعالى مخاطبا نبيه: ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)) [يوسف:3] القَصص بفتح القاف هي الأخبار الصادقة، أما القِصص – بكسرِ القاف – قد تكون مكذوبة ومألفة، وحاشا القرآن وحاشا كتاب الله أن يكون فيه كلمة كذب، ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)) [يوسف:3]، هذه القَصص للعِظة والاعتبار، هذه القَصص لنتعلم الدروس، ولهذا قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما جاء في البخاري ومسلم: (( لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ )).

ولكي لا نُلدغ من جحرٌ واحد مرَّتين، ولكي نعي ونتعظ ونعتبر بما مرَّت به أمتنا من قريب أحببت أن نتذاكر قِصة لنأخذ منها عِظةً وعبرة تساعدنا لنتنبه على بعض ما يحاك لنا في قابِل الأيام؛ أحببت أن أتذاكر معكم قصَّة حرب البوسنة التي جرت من قرابة عشرين عامًا، البوسنة ذاك الجرح الغائر في جسد أمَّة الإسلام الذي لم ولن يندمل …

هذه البوسنة أيَّها الأحبَّة تقع في وسط دول البلقان، في وسط أوربا، بلدٌ تسمى البوسنة والهرسك، جُلُّ سكانها من المسلمين، دخلها الإسلام بعد منتصف القرن الخامس عشر الميلادي إبَّان الفتح العثماني لها، ودخل أهلها في دين الله أفواجًا…

الفتح العثماني فتح كثيرا من دول أوربا بعضها لم يدخل في دين الله على الرغم من دخولها ضمن سلطة المسلمين، أما أهل البوسنة والهرسك فقد دخلوا في دين الله أفواجًا وحسُن إسلام أهلها، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف البوسنة والهرسك عن الجهاد في سبيل الله، لأنَّها غدت دولةً مسلمة في قلب أوربا الصليبية، لم يتوقف الجهاد في سبيل الله في سبيل الحفاظ على إسلام أهل تلك البلاد لمدة تزيد عن خمسة قرون لم يتوقف الصراع ولم تتوقف المجازر بحق المسلمين، مذ دخلوا في دين الله من منتصف القرن الخامس عشر الميلادي إلى يومنا هذا.

وفي أواخر القرن التاسع عشر عندما ضعفت الدولة العثمانية وبدأت بالتفكك احتُلَّت تلك البلاد، وأتبعوها للمكلة النمسا وبدأوا يضيِّقون على أهلها، يُضيقون شيئا فشيئا، أتت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وفي كُلِّ مرة يُذبَح المسلمون، كل الأطراف المتصارعة تعتبر المسلمين أعداءً لها، حتى انتهت الحرب العالمية وكانت عندئذ تلك البلاد جُزءًا مما كان يسمى دولة يوغسلافيا.
وبعد نهاية الحرب العالمية سيطر الشيوعيون في تلك البلاد، فمنعوا تعليم الدين وأغلقوا المساجد، وأغلقوا المدارس والمحاكم الشرعية، وحاربوا الناس في دينهم وضيَّقوا عليهم شيئا فشيئا…

وكان من سياستهم أن يقسموا البلد إلى مقاطعات كالمحافظات في بلدنا فيجعلون تلك المنطقة التي تكتظ بالمسلمين مُجزَّأة بين المقاطعات؛ لكي لا يكون لهم تمثيل سياسي، ولكي لا يكون لهم دورٌ في البرلمان وفي الحياة السياسية.

دارت الأيام حتى انهار الاتحاد السوفيتي في أواخر القرن العشرين قرابة عام (1990 ميلادية) عندئذ تفككت يوغسلافيا، وكل مجموعة قومية أعلنت دولة؛ الصرب أعلنوا دولة، الكُروات أعلنوا دولة، السلافيين أعلنوا دولة، عندئذ في سنة اثنين وتسعين وتسعمائة وألف ميلادية (1992م) أعلن المسلمون دولة لهم أسموها دولة البوسنة والهرسك، الأمم المُتَّحدة الكُفرية، الأمم التي أرادت أن تعبِّد الأرض لغير الله، الأمم المتحدة التي أساسا شُكِّلت في أواخِر القرن التاسع عشر كان اسمها عصبة الأمم لمحاربة الدولة العثمانية الإسلامية، هذه الأمم الكُفرية اعترفت بكل الدويلات ولم تعترف بدولة المسلمين بُحجة استكمال الأوراق!!

ثم طلبوا منهم إجراء استفتاء، فأجروا استفتاء فكان أكثر من 90% من السكان يريدون الاستقلال، ماطلت الأمم المتحدة فإذا بدولة الصرب، والصِّرب كانوا يشكلون القوة العظمى في الجيش اليوغسلافي – كما النصيرية في بلادنا كانوا مسيطرين على الجيش والأمن – لم يرضوا باستقلال هذه الدويلات فدخلوا بجيوشهم إلى كرواتيا وإلى البوسة… ماذا حصل عندها؟؟!

الأمم المتحدة التي تدَّعي حماية الإنسان وحقوق الإنسان استنفرت وأرسلت قواتًا أُمَمِيَّة للوقوف في وجه الصرب، فإذا بها تمنع الصرب من دخول كُرواتيا وتتركهم يفعلون ما يشاؤون في البوسنة المسلمة؛ كرواتيا أهل الصليب متعصبون بينهم وبين الصرب خلاف عقائدي وقومي، الله – عزَّ وجلَّ – قال لنا عن النصارى: ((تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى…)) [الحشر:14]، طوائف النصارى يتعادون فيما بينهم (الكاثوليك، البروتستانت، الأرثوذوكس …) يكرهون بعضهم أمّا على المسلمين:
فالكفرُ أهلوهُ جميعًا مِلَّةٌ *** مهما تعادوا هُم على قومي يدُ

دخل الصرب – أيَّها السادة – بلادَ المسلمين واجتاحوها فما كان من الأمم المتحدة إلا أن عقدت اجتماعا طارئا فأرسلت قوات لمنعهم من دُخول كرواتيا، وماذا فعلت الأمم المتحدة؟
تذكَّروا معي سنة ألفين وأحد عشر (2011) عندما قامت الثورة السورية ادعوا بأنهم سيساعدوا الشعب السوري فتشكل ما يسمى بأصدقاء الشعب السوري، وكان أول قرار أصدروه “منع توريد السلاح إلى أطراف النزاع في سوريا”!!
قالوا مُدَّعين: بحجَّة تخفيف القتل عن السوريين لا بد أن نمنع توريد السلاح إلى سوريا.
وهم يعلمون أنّ النظام المُجرم ظلَّ يُخزِّن السلاح والذخيرة لأكثر من خمسين سنة، من الذي حرم السلاح؟
نحن، نفس الأمر حصل مع البوسنة، اعترفت الأمم المتحدة لاحقا للمسلمين بدولة مستقلة، وطالما أنهم غدو دولة مستقلة فيحق لهم استيراد السلاح، ومع ذلك لم ترفع الأمم المتحدة عنهم حظر استيراد السلاح بحجة تخفيف الصراع…

وقتها أعلن الصرب – علَنًا دون تورية –قائلين بأنَّ لديهم من السلاح ما يكفيهم لمدة عشر سنوات، هكذا نحن في سوريا يمنع عنّا توريد السلاح الرادع الحقيقي، ويسمحون بأن تصلنا هذه البواريد (البنادق) التي لا تنفع إلا للحراسة وهكذا فعلوا في مسلمي البوسنة، علي عزت بيغوفيتش – رحمه الله – تأمَّل خيرًا بقادة العالم الإسلامي وأرسل رسالة لأكثر من مئة رئيس عربي ومسلم يستصرخهم ويستنقذهم (لامست أسماعَهم لكنَّها *** لم تُلامِس نخوةَ المعتصِمِ)

موضع الشاهد – أيَّها الأحبة- الذي يهمنا في القصة – وقصَّة حرب البوسنة قصة طويلة نتحدث عنها بالتفصيل في يوم من الأيام – وما أريد أن أتحدث عنه تحديدا هو ما سمِّي بمذبحة سربرينيتشا التي حصلت في تموز من عام (1995م) انتبهوا معي للتواريخ جيِّدًا وشنِّفوا آذانكم… في أي سنة حدثت مذبحة سريبرينيتشا؟؟ سنة 1995.

هل تعرفون لماذا أتحدث الآن عن سريبرينيتشا تحديدا؟ لأنَّ سريبرينيتشا في نيسان سنة ثلاثٍ وتسعين (1993م) أعلنتها الأمم المتحدة منطقة خفض تصعيد “منطقةً آمنة”، مثل مناطقنا الآن هي مناطق خفض تصعيد منطقة آمنة… متى أُعلِنت؟ سنة ثلاثٍ وتسعين.
المجزرة، في أي سنةٍ حصَلت؟ في سنة خمسٍ وتسعين (1995م).

سنة ثلاثٍ وتسعين أعلنوها منطقةً آمنة، وجعلوا فيها قواعد عسكرية، وأرسلوا قواتًا أممية هولندية لحماية المدنيين في تلك المنطقة، ادَّعوا أنها منطقة آمنة سنة 1993 وأرسلوا أربعمئة جندي مع آلياتهم ومدرعاتهم لحماية سريبرينيتشا وما حولها، وطلبوا من المجاهدين المتطوعين البوسنيين أن يُسلِّموا أسلحتهم، بُحجَّة أن هذه منطقة آمنة فيجب أن تكون منزوعة السلاح، فأجبروهم على تسليم سلاحهم.
احفظوا الدرس ولا تنسوه أيها السادة، سنة ثلاثٍ وتسعين (1993م) دخلوا وأعلنوها منطقةً آمنة وطلبوا من أهلها تسليم سلاحهم – ولو كان الصرب يستطيعون الدخول لتلك المناطق والسلاح موجود لما دخلتها القوات الأممية أصلا ولما اعلنوها منطقة أمنة – سحبوا منهم السلاح وأعلنوها منطقة آمنة، ثم سنة خمسٍ وتسعين (1995م) أي بعد عامين، بعد أن ركن الناس إلى الدَّعة وبعد أن باعوا سلاحهم – الذي لم يُسلِّم سلاحه في البداية باعه بعد فترة لأنه لم يعد يلزم – وظنَّ النَّاس أنهم في مأمن، أتت القوات الصربية وهاجمت المنطقة فماذا فعلت القوات الهولندية؟ هل دافعت عنهم؟
إذا ابن المنطقة أحيانا لا يدب فيه الناموس ليدافع عن أرضه فهل سيأتي الغريب ليدافع؟!!

ما دافعت عنهم، بل التجأ أناس إلى القاعدة العسكرية الهولندية فأغلقوا الأبواب أمامهم وتركوهم حتى أخذهم الصرب، وذبح الصرب وقتها عشرة آلاف مسلم، كل من عمره ما بين 14 – 50 سنة من الذكور تم ذبحه، الأمم المتحدة وحدها وثقت ذبح عشرة آلاف إنسان وتم اغتصاب كل النساء، والنساء الصربيات صاروا يسخرن من نساء المسلمين يقلن لهنَّ: “لن تلدوا بعد اليوم أتراكًا -هم يقولون كلمة أتراك كنايةً عن المسلم لأن الأتراك هم الذين فتحوا تلك البلاد- ستلدون صربا”
اغتصبوا النساء حتى الطفلات الصغيرات وقتلوا عشرة آلاف مسلم، لأنَّ هؤلاء المسلمين ظنّوا أنهم في مأمن وأنهم في منطقة آمنة، وأن هؤلاء الكُفَّار لهم عهد وذِمَّة، بعد عامين دخلوا عليهم وذبحوهم جميعا وكبُّوهم في مقابر جماعية.

تخيلوا معي أيها السادة، ماذا فعلت الأمم المتحدة؟ فعلت ما فعلته في فلسطين؛ بيانات وشجب وتنديد… تخيلوا في سنة 2007 – أي بعد اثني عشرة سنة – حتى أقرَّت الأمم المتحدة أن ما جرى في سريبرينيتشا هو تطهير عرقي، تخيلوا أنه سنة ألفين وخمسة عشر (2015م) أي منذ سنتين بعد عشرين عاما من المذبحة استخدمت روسيا حق الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن حتى لا يقال أن مذبحة سربرنيتشا هي مذبحة تطهير عرقي ولكي لا يحاسب من قام بها. هذا كل الذي ناله المسلمون بعد أن ذُبِحوا وسُفكت دماؤهم، طبعا بعد هذه المذبحة الخطيرة تنادى المسلمون للجهاد في البوسنة وأتى المجاهدون صادقون من أصقاع الأرض، مجاهدون صادقون أتوا وأشعلوا راية الجهاد في البوسنة، لم يُنشئوا إمارات ولا جماعات بل عملوا تحت قيادة الجيش البوسني وتوزَّعوا في فرقه وكتائبه، لم يشكلوا مجموعات مستقلة ولم يعلنوا إمارات ولم يعادوا أهل البلد بل انضووا تحت راية الجيش البوسني- كرُّوا على عدوِّهم وفتح الله لهم، وعندما بدأ المسلمون بالتقدم أواخر 1994م أتت الأمم المتحدة وأعلنت وقف القتال.

لمّا كان المسلمون ضعيفين ولا أحد يسمع بمذابحهم تركوهم لكي يذبحوا وتنتهك أعراضهم، فلما بدؤوا بالتقدم وأخذ أراضي تم إيقاف القتال، جعلوا حول البوسنة شريطا من دولة كرواتيا كي لا تصل للبحر – بينهم وبين البحر كيلومترات معدودة – شاطئ طويل لم يسمحوا لهم بالوصول إليه، وجعلوهم محاصرين ضمن دول تعاديهم…

بعد 1995م انتهت الحرب ووقِّعَت اتفاقية دايتون للسلام، وكان من نتائج الحرب – التي أعلنتها الأمم المتحدة والحقيقة أكبر من ذلك – تثبيت مقتل أكثر من (250 ألف إنسان) – طبعا مقتل (250 ألف) إنسان ليس من سوريا التي عدد سكانها ثلاثين مليون، (250 ألف) من بلد كل تعداد سكانه ثلاثة ملايين إنسان- و(200 ألف) جريح ومعاق، أي ربع السكان تقريبا. من وثقتهم الأمم المتحدة – في بلادنا الأعراف الاجتماعية والعفيفة التي تتعرض للاغتصاب أن تذكر ذلك في غير بلاد لا يرون به حرجًا – فوثَّقت الأمم المتحدة تعرُّض 50 ألف امرأة للاغتصاب بشكل جماعي ممنهج.

انتهت الحرب بهذه النتيجة عندما بدأ المسلمون يتقدمون، ولكي لا يصل المسلمون إلى الساحل ولكي لا يكون لهم منفذ تأتيهم فيه سفينة ومدَد إلا أن تمر إمداداتهم عن طريق دولٍ تعاديهم.

نحن الآن محاصرون، وليس لنا منفذ بحري، والبعض – أيها السادة – يقول وضعت الحرب أوزارها، ولم يعد لنا شأن بالسلاح، وبعض الجهلة يبيع سلاحه!!

يا أخي اللي ما عنده سلاح ما له عِرضٌ مُصان، هذا السلاح عِزُّك وشرفُك وعِرضك، في كل دول العالم التي تحترم مواطنيها حق امتلاك السلاح حق دستوري مكفول، في أمريكا – مثلًا – كل الأسلحة من المسدس إلى قاذف (آ جي سي) تدخل إلى محل يشبه السوبر ماركت وتشتري السلاح، حق كفله الدستور الأمريكي لكل المواطنين…

أسمع البعض يقول وضعت الحرب أوزارها، فإذا لزمه مبلغ بسيط تراه يبيع بندقيته أو سلاحه، يقول لك سترخص أكثر!! أيها الأحبة لا بد أن نعي وأن نحفظ وأن نُحفِّظ أبناءنا قول حسَّان بن ثابت – رضي الله عنه – ، شاعِرُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
لا خير في حقٍّ إذا لم تحمِـهِ … حِلَقُ الحديدِ وألسُنُ النيرانِ
من لم يصُنه من العداوةِ سِلمُهُ …صانتـه قوَّتُه منَ العدوانِ

هذا السلاح أذكر أول الثورة كنا نشتري البندقية بـ 1500$، نبحث عن الطلقة…

والله الذي لا إله إلا هو والبعض كان حاضرا هنا أخونا أبو جاسم قائد غرفة عمليات صد الرتل في كفرناها والله حضرته في غرفة العمليات وهو يرجف يقول وزعت لكل مرابط نصف مخزن، ليس مخزن بل نصف مخزن، تذكر يامن تبذِّر الآن وتطلق النار في الهواء، والله قد يأتينا يوم نبكي فيه دما على كل طلقة أطلقت في الهواء، مذبحة سريبرينيتشا جرت بعد عامين من إعلان المنطقة منطقة آمنة، أُعلِنت في 1993 منطقة آمنة، ودخلت قوات أممية، وظنَّ الناس أنهم سيهنؤون، لكنَّ عدوَّك صاحٍ، لكن عدوك يستغلُّ الهُدَن لكي يُجمِّع قواته ولكي يكُرَّ عليك، وبالـ 1995 دخلوا وذبحوهم ذبح النعاج على مرآى ومسمع دول الأرض جميعا.

عندما نتحدث عن السلاح نتحدث عن خطٍّ أحمر.

في بلادنا وفي كل البلاد العربية كانوا يتركون السلاح بأيدي الفجرة الفسقة، في حلب كُنَّا، بنو فلان وبنو فلان تجار المخدرات والحشيش، الشبيحة كانوا يمتلكون السلاح، أمَّا الشخص الشريف المحترم لم يكن يستطيع أن يمتلك مُسدَّسا، هذا السلاح هو شرفك وعزك…

وهنا قد يقول قائل: “بالتأكيد لن نرضى بسحب سلاحنا ولن نسمح لأحد أن يأخذ سلاحنا”.

أيها الأحبّة، علَّمتنا هذه السنوات الماضية من الثورات العربية دروسا خطيرة، سحب السلاح له أشكال عديدة، فيما مضى كان الطواغيت يمنعون التسلُّح بالقوة وبإرهاب الناس، أمَّا الآن وقد غدى السلاح بين الناس فلن يأتوا وينزعوا السلاح بالقوة.
أضرب مثالا في ليبيا الآن حفتر الذي يدعمه السيسي ويدعمه طيران الإمارات ويسلحونه كيف سحبوا السلاح من الناس؟

فتحوا مراكز بحُجة السِّلم الأهلي – حتى يرجع السلم للمجتمع!! – طلبوا من الناس أن يبيعوا سلاحهم بيعًا، البندقية مثلا سعرها كذا، يتم شراؤها بضعف الثمن وليس هذا فحسب، بعض الناس فتحوا مكاتب باسم الثورة السورية وكثير من البنادق التي أتتنا عن طريق دول فتحوا مكاتب في ليبيا وجمعوا السلاح من الناس وتمّ شحن السلاح حتى نزع من بين الناس وحوصرت السواحل الليبية وأتى حفتر، وحفتر له من يدعمه ومن يسلِّحُه وتُرِكَ الناس عُزَّلا، هذا شكل من أشكال سحب السلاح، ليس بالقوة بل بالشراء بالمال.

أحيانا أيها الإخوة يتم سحب السلاح بتسليط السفهاء عليه ومنع توريده، مثال عندنا في مناطق الشمال لم يعد توريد السلاح والذخيرة كما كان والسلاح متروك بأيدي السفهاء، أُخبِرت عن عُرس أطلق فيه 1000 طلقة، عرس يا جماعة يطلق فيه 1000 طلقة!!

في يوم من الأيام – نسأل الله أن لا نرى ذلك وأسأل الله أن يُكذِّب ظنِّي – والله قد يبكوا دما على طلقة واحدة من هذه الذخيرة، نحن لمَّا نمنع الآن إطلاق النار عشوائيا ونقول للشرطة يجب المنع بالقوَّة لكل من يطلق النار في الأعراس يأتي البعض ويقول: “هذا مالي وأنا حر”… هذا ليس مالك؛ فعندما تستهلك هذه الذخيرة فأنت تستهلك من مجموع المخزون الاحتياطي في مناطقنا المُحرَّرة.

هذا ما يحاك لنا أيها السادة، وهذا ما يجب أن نتنبه له، والله تعالى يقول لنا مُنبِّها وموجِّها:
((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61))) [الأنفال: 60-61]

لاحظ المناسبة القرآنية الدقيقة بين الآية الأولى والآية الثانية، سبَّقَ الأمرَ بالإعداد على الأمرِ بـ (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)، توجيه من الله إن جنحتم للسِّلم، وإن جنحتم إلى هُدنة مؤقَّتة لا تنسوا الإعداد، فالإعداد – إعداد المقاتلين وتدريبهم وتخزين السلاح وتصنيعه – مقدم على الأمرِ بـ (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا).

لأنَّ هذا السلم وهذا السلام لن يدومَ إن لم تكونوا أقوياء، إن لم تكونا تستطيعون إرهاب أعداء الله، فالعهود المواثيق لا قيمة لها إلا مع الأقوياء، (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )) [آل عِمران: 75]. العهود والمواثيق يحترمها عدوُّك إن كنت قويًّا أمَّا إن كُنت ضعيفًا فلا عِبرة لها… دخلت القوات الصربية وذبحتهم والأمم المتحدة تتفرج لأنهم ضعاف.

نعم – أيُّها السادة- ليكن لكم في أهل غزَّة عظةٌ وعبرة، كل كم يوم نسمع فلان الفلاني – رحمه الله وتقبَّله – من شهداء الإعداد، حرب غزَّة من سنوات توقَّفت وهم في هدنة، ولم يتوقف عملهم؛ يعملون ليلًا ونهارًا على التصنيع وعلى حفر الأنفاق وعلى التدريب، ويستشهد عندهم أخوة في حفر الأنفاق وفي التدريب وفي التصنيع ولم يتوقفوا أبدا ولم يركنوا أبدا ولم يركنوا إلى الدَّعة ولم يركنوا إلى الذين ظلموا
إنَّ الصحائف للصفائح أمرها *** والحرب حربٌ والكلام كلام
والنار أصدق حُجَّة فاكتب بها *** ما شئت تُصعق عندها الأحلام
والسيف أصدق لهجةً من أحرفٍ *** كُتبت فكان بيانها الإبهام

هذه الحروف المُبهمة، وهذه الاتفاقيات المُبهمة التي لا نعي ما وراءها، نتقلَّب فيها بمقدار الاستطاعة، فلا يُكلِّف الله نفسًا إلا وسعها، ولكنَّا لن نغفل عن سلاحنا، ولكنَّا لن نُسلِّم سلاحنا لأحد، ولكنَّا موقِنون بأنَّ سلاحنا عزَّنا وشرفَنا وعِرضنا…

والله كنت وما زلت أنصح الشباب دائما، أرى البعض يجمع بعض المال لكي يشتري موتور أو أي شيء آخر… أقول له ادَّخر بعض المال واشتري سلاحًا، أيًّا كان هذا السلاح، يجب أن يكون لديك سلاح لكي تصون نفسَك ولكي تحمي عِرضَك ولكي تحمي مالك، نعم أيها الأحبة
السيف أصدق إنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب

نتقلب في السياسة بمقدار المستطاع ((لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)) وليس كل ما نقبلُ به نرضى عنه، ولكنَّ أعيننا وآذننا على أعدائنا لم تغفل، وأيدينا على سلاحنا، لا نترك سلاحا دفع الشهداء دماءهم ثمنا له، لا نتركه حتى تفارق الروح الجسد…
نسأل الله تعالى أن يولي علينا خيارنا وألا يسلط علينا بذنوبنا شِرارنا … أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية: دعاء فقط

0

تقييم المستخدمون: 0.83 ( 1 أصوات)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى