“قبل ثلاثين عاماً تقريباً من اليوم حصل في أفغانستان ما يحصل اليوم في الشام، كان الاتحاد السوفياتي يحتل تلك البلاد ويجوس خراباً ودماراً وقتلاً وتشريداً في أهلها، وحين أعيته الحيل كلها والتكتيكات العسكرية التدميرية التي ورثوها من القياصرة عن كسر إرادة الشعب الأفغاني لجأوا إلى الحيل الحريرية الديبلوماسية فبدأوا بتأسيس مليشيات طائفية وعرقية في قندهار والشمال الأفغاني وذلك لإشغال المجاهدين بهم عن العدو الأجنبي السوفياتي، ومعها بدأوا بطرح فكرة الهدن المحلية على كل مدينة أو بلدة أو قرية ممثلة بقائد محلي، وكانت التبريرات جاهزة حيث أهالي تلك البلدة يريدون الخدمات ويريدون معها الأمن والسلام والاستقرار فقد تعب وملّ وسئم الأهالي الحرب والخراب والدمار بحسب زعم المرجفين، لكن بحسب تقييم هؤلاء المرجفين فإن الأهالي حنّوا إلى عهد العبودية والذل والاحتلال السوفياتي..
يومها شعر كبار قادة الجهاد الأفغاني الميدانيون وعلى رأسهم القائد الفذ جلال الدين حقاني رحمه الله ومعه قادة مزار الشريف وقندهار وهيرات وجلال آباد بالخطر العظيم الذي يتهدد الجهاد وتتهدد معه معاناة شعب قدم الملايين تشريداً وقتلاً وجرحاً واعتقالاً، ومعه يتهدد تبديد جهاد سنوات وربما ضياع أجيال مقبلة، كانت الدعوة سريعة فالتقى القادة بجبال خوست حيث مغناطيس جذب المجاهدين الأفغان وهو القائد البطل جلال الدين حقاني، جمع أكثر من 400 قائد ميداني كنت يومها أتابع التجربة الرائعة والرائدة بحسب عملي المهني الصحافي، وركز يومها القادة كلهم على رفض أي هدن محلية مهما كانت النتائج وخيمة وعواقبها سلبية على البلدات المعنية، فإن عواقبها ستكون أخطر على أفغانستان كلها ومستقبلها، وتنادى الجميع يومها لخطة تقضي بدعم كل بلدة معرضة للهدنة من قبل كل فصائل المجاهدين، وبالتالي تم عزل كل المناطق التي توقع الهدن على أساس أنها خارج الجهاد وخارج المجاهدين، فتم عزلهم وشعر الشعب كله أن من يوقع الهدن هو العميل وهو الخائن وليس المجاهد الذي اتخذ قراره الاستراتيجي بشكل جماعي في خوست..
أدركت موسكو أنها تغمس خارج الصحن، وأن جبن أشبال المجاهدين من حليب أجدادهم الذين قاوموا القياصرة و من بعدهم البريطانيين فصبروا وثبتوا حتى تم طردهم بشكل كامل من أفغانستان، يومها فقط بدأت موسكو بالاستعداد للانسحاب أو الهزيمة من أفغانستان فسرّعت من وتيرة اتفاقيات جنيف والتحضير للانسحاب الذي تم فقط بعد سنتين تقريباً من تلك الوقفة المشرفة لقادة الجهاد الميدانيين، ولعل التاريخ لم يُنصف حتى الآن تلك الوقفة المشرفة لهؤلاء الأبطال، بينما سيذكر التاريخ مستقبلاً وأنا على ثقة كاملة أن من أحبط المخطط السوفياتي في إجهاض الجهاد الأفغاني وأفرغ الهدن المحلية من محتواها ومضمونها هم أولئك القادة الأبطال، رحم الله من مات، وبارك الله بعمر من بقي، فقد كانوا بوصلة الجهاد وضمانه وأمنه..
اليوم يتكرر في الشام ما حصل في أفغانستان، وتقوم موسكو من خلال المرجفين في قاعدة حميميم باستنساخ تجربة فاشلة في أفغانستان، فهل ستفوت على أهل الشام وتنجح بعد أن أفشلها أحفاد سهول هلمند وجبال سليمان، اليوم المطلوب من القادة الميدانيين وبسرعة البرق التداعي إلى مؤتمر كما حصل في خوست، ووضع اللبنات والمدماكات للوقوف بوجه كل الحيل الروسية والتآمر الإجرامي الإيراني، ووضع كل هذه المؤامرات على الطاولة لبحثها والسعي إلى إجهاضها وإفشالها بشكل جماعي، فالمحتلون والغزاة والقتلة يقاتلوننا صفاً واحداً ولا يصلح لأمة الإسلام وأمة الجهاد أن تقاتل صفوفا فتلك صفة يكرهها الله تبارك وتعالى، فمن سيعلق الجرس؟!