الخشية من الله
#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
الخشية من الله
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 18 دقيقة.
التاريخ: 5/ ذو القعدة/1438ه
الموافق: 28/ تموز/2017م
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ المؤمنون حقًا.
2⃣ الذين يتأثَّرون بالقرآن.
3⃣ لِمَ خشعت الجبال ولم تخشع قلوب كثيرٍ مِنَ المُكلَّفين؟!
4⃣ ليس الأمر بكثرة الكلام “إنما بشيءٍ يقرُ في الصدر!!
5⃣ الذي يُعظِّمُ الله حقًا هو من يُعظِّمُ كلمتي (حلال) و (حرام).
6⃣ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى … أمَّا من لا يخشى!!
🔴 الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
7⃣ دعاء
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أفاض على الخاشعين من الإحسان والغفران, وأسبغ عليهم نِعَمه وأدخلهم برحمته الجنان، ((وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)) (الرحمن:46) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل جلَّ في عُلاه: ((إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)) (المُلك:12) وأشهد أن نبيَّنا محمدا عبد الله ورسوله كان من قوله روحي فداه: « ثلاث منجيات: العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية » [البيهقي في السنن وحسَّنه الألباني وغيره] اللهم صل وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد إخوة الإيمان يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)) (الزُّمَر:23)
حالٌ مهم من أحوال المؤمنين وصِفةٌ لازمةٍ من صفات الصالحين…
حديثنا اليوم – أيُّها السادة – عمَّن تقشعرُّ جلودهم خوفًا وخشعًا وخشيةً من الله كلما سمعوا آيات الوعيد والعذاب {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي ثُمَّ يأنسون ويفرحون ويطرَبون عند ذكر آيات اللهِ التي تتحدَّث رحمته ومغفرته.
نعم أيها الأحبة حديثنا اليوم عمن تقشعر جلودهم خوفا كلما سمعوا آيات الوعيد والعذاب ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، يأنسون ويفرحون ويطربون عندما يسمعون كلمات الله التي تتحدث عن رحمته ونعمته ومِنَّتِه وفضلِهِ ورضوانه لعباده الصالحين…
حديثنا اليوم – أيها الأحبَّة – عن السبب الباعث لتأثُّر البعض أكثرَ من غيرهم بكتابِ الله وبِسُنَّة رسول الله، حديثنا اليوم عن الخشيةِ من الله والتعظيم لشعائر الله ..
حديثنا اليوم عن هذا السبب الذي متى حُرِمَه الإنسان، غدا قلبه صلدًا أصمًّا عن التأثُّرِ بكلام الله، وعن البصيرةِ بسبيل الحق والخير والهداية.
هذا السبب الذي بيَّنته الآية الكريمة عند قوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي الذين امتلأت قلوبهم خشيةً من الله، وتعظيمًا لله، أولئك الذين يسمعون الوعيدَ فتقشعِرُّ جلودهم، أولئك الذين يسمعون الوعد بالجنانِ فتطْرَبُ نفوسهم، أمَّا أصحاب القلب الخاوي القاسي فكلُّ ذلك لا يعني لهم شيئًا، قال تعالى: ((لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) (الحشر:21).
لو أنزل الله هذا القرآن على الجبال لخرَّت خاشِعةً مُتصدِّعةً من خشية الله!!
لِمَ خشعت الجبال ولم تخشع قلوب كثيرٍ مِنَ المُكلَّفين؟!
لِمَ خشعت الجبال ولم تخشع قلوبُ كثيرٍ من المسلمين بذكر الله؟!!
هذه الجبال –أيها السادة – لو جعل الله لها عواقِلَ تعقِل، وأنزل عليها القرآن وكلَّفها بما كلَّف به المُكلَّفين، لخرَّت خاشِعةً متصدِّعةً مِن خشية الله … ما السبب في ذلك؟ ما عِلَّته؟
السبب – أيها الأحبة – أنَّ الجبال نظرَت في عجيبِ وعظيمِ خِلقتِها، فعرَفت واستنتجت عظمةَ خالِقها وعظيمَ قدرته، فوقَّرَتِ الله وعظَّمتِ الله فوقَرَت فيها الخشيةُ من الله، والتعظيمُ لله، فلو كلَّفها الله بما كلَّف به البشر، ولو كانت محاسبة ومجزاة لخرَّت خاشِعةً مُتصدِّعةً مِن خشيةِ الله. ولكانت أطوع لأمر الله من كثيرٍ مِن ذوي القلوب القاسية، ((ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) (البقرة:74)
وما الله بغافِلٍ عمَّن يتظاهر بالإيمان والإسلام، وقلبه وأفعاله بعيدةٌ كُلَّ البعد عن الخشيةِ مِن الله، وعن التعظيم لشعائر الله وعن الخشية من وعيد الله …
والله أيَّها الأحبَّة ليس الأمر بكثرة الكلام، ولا بكثرة الجدالِ والمظاهِر، إنما هو بسلوكٍ وأخلاق وممارساتٍ تكشِف حقيقة من وقَر تعظيمُ الله في قلبه، تكشِف حقيقة من يخشى الله حق الخشية، آباؤنا وأجدادنا الذين عمَّروا وكانوا قبلنا كثير منهم كان بسيطا جاهلا أميا لعله لا يقرأ القرآن ولعله لم يسمع كثيرا من الدروس ولكنك كنت ترى في سلوكهم وفي وجوههم الخشية من الله، فكانوا يُحلِّونَ الحلال ويُحرِّمون الحرام خوفا من الله، إن قلت له حراما انتهى وإن قلت له حلالا سُرَّ به لأنه يعظم الله ، لأنَّه يخاف الله، لأنه وقرت في قلبه الخشية من الله حقًا.
تلك الخشية التي متى وقرت في قلب المؤمن كانت دافعًا باعثًا له على فعل الخيرات، وحجابًا رادعًا له عن التجاوزِ إلى المحرَّماتِ والمُنكرات، يُذكَّرُ بالقرآن فيتعِظ ويعتبر، يؤمَرُ بالمعروف فيأتَمِر، يُنهى عن المنكر فينتهي وينزجِر، ذلك الذي يتقي الله في السر والعلن هو من وقرت في قلبه الخشية من الله…
من يخشى الله هو من يعرِف عظَمة كلمة الحلال والحرام، من لا يخشى الله أيها الأحبة لا قيمة عنده لكلمة حلال أو حرام، من ليس في قلبه الخشية من الله يستوي عنده الحلال والحرام، أمَّا من يخشى الله فهو من يعظم كلمة الحلال والحرام، فيتحرى الحلال ويجتنب الحرام، بل يجتنِبُ كثيرًا مِن المباح خشية الوقوع في الشبهات، وخشية الوصول إلى ما حرم الله، تراه لا يتَّبِعُ إلا الثقات المشهودَ لهم من العلماء ولو خالف قولُهم هواه ولو خالف قولهم ما تشتهيه نفسه، فالله تعالى في قلبِه أعظمُ من هواه وأعظم من شهوته وأعظم مِن قائده وسيِّده وأميره، ذلك الذي يخشى الله ذاك الذي يتذكَّرُ بالقرآن… قال تعالى: ((فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ )) [ق:45]
أما الذي لا يخاف وعيد الله ولو قرأ القرآن ولو تظاهر بالالتزام ولو سمعت على لسانه كلام الله وسنة رسول الله إن لم يكن يخشى وعيد الله فلا يتأثر بها، لا يخاف من الله لا ينفع معه التذكير ولا يؤثِّر فيه أيًا كان ظاهِره، تقول له: قال الله وقال رسول الله، فلا يتأثر، ولعلك لو قلت له: ” قال فلان الفلاني” ممن يتبعهم من أسياده وكبرائه وأمرائه لسمع وأطاع ولخشي أكثر مما يخشى من قول الله وقول رسول، وفي هذا يقول ربُّنا سبحانه في سورةِ الأعلى: ((فذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10)) -من الذي يتذكر بأمر الله؟ من يخشى، من في قلبه الخشية من الله- ((فذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19))) [الأعلى]
والله أيها السادة جلُّ مصائبنا التي نعيشها، وجل والمشاكل والخلافات التي نراها بين إخواننا إنَّما مردُّها إلى ضعفُ الخشية من الله وإلى ضعف تعظيم الله في النفوس، وإلى إيثارُ الدنيا على الآخرة…
مهما برَّرت لنفسك ومهما برَّرت لأعوانِك ومهما برَّروا لك، استفت قلبك، من عرف الله حقا علم أن ما عند الله خير وأبقى، وعلِمَ أنَّ ما عِند الله من خيرٍ لا يُنال إلا بطاعة الله ومرضاتِه.
من عرَف الله حقًا أيقن أن الله تعالى هو: المُعطي المانع، هو الخافِضُ الرافِع، هو المُعِزُّ المُذِل، هو وحده من بيده مقاليد السماوات والأرض، هو وحده من بيده مفاتيح النصرِ والرِزق وهو على كلِّ شيءٍ قدير…
من عظَّم الله هذا التعظيم فتح الله ونصره وأعانه، من عظَّم الله هذا التعظيم، قدَّم أمر الله ورسوله على أمر كل ما سواهما، من عظم الله هذا التعظيم تجرَّد عن هواه وما يشتهيه وما يجتهد به في عقله إلى ما نقله الثقات عن الله و عن رسوله إلى ما يُقرِّب إلى الله ويُرضيه، فتراه مُطيعًا مُسَلِّمًا، مُسلِّمًا لأمرِ الله ورسوله، موقِنًا أنَّ الخير كل الخير حيث أمر الله ورسوله، قال تعالى: ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) (النساء:65)
وللحديث عن التعظيمِ والخشيةِ بقيةٌ نكمِلها إن أحيانا الله تعالى إلى قابل … جعلنا الله وإيَّاكم ممن يُعظِّمون الله حقًّا، ممن يقولون عدلًا وصِدقًا، ممن يؤثرون الآخِرة على الأولى فالآخِرةُ خيرٌ وأبقى، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المُستغفرين.