بقلم: طلال عبدالله الشواف
نعم إخواننا في الدين أنتم وشركاؤنا في الثورة .. فهل ترى أنتم تعتبروننا كذلك؟
تكلم عنكم الكثيرون، وحذر منكم الكثيرون، كتبوا عنكم وشككوا فيكم، لكننا ما ظننا فيكم يوماً إلا خيراً، حتى كان آخر المطاف، الموقف الأمريكي (المتوَقع) بإدراجكم على قائمة الإرهاب، فما عاد يحسن السكوت، وبات لابد من الكلام، وهي إنما نبضات قلوبنا نزجيها على الورق، أو ننثرها على صفحات التواصل، تقصد منكم أذاناً صاغية وقلوباً محبة ونفوساً طيبة، وأنتم كذلك.
يا جبهة النصرة .. أنتم إخواننا بحق، وشركاؤنا في المحنة، نقدر جهادكم وبطولاتكم وأثركم الفاعل في الثورة، لن نخذلكم ولن نسلمكم ولن نقبل أبداً أن نراكم إلا فرسان ساحات البناء كما رأيناكم أسود ساحات الوغى.
يا جبهة النصرة .. ما كنا لنطيع فيكم عدواً، وما كان تصريح الأمريكان عنكم إلا حافزاً أكبر لنا على التضامن معكم والنصرة لكم والذود عنكم.
يا جبهة النصرة .. عدونا ذكي خبيث، وقد استهدفكم أولاً لما يعلمه من تساؤلات تثور في النفوس حولكم، تمويل كبير غير معلوم المصادر، وقيادات بأسماء وهمية، ومشاريع غير معلنة، وتشابه مع القاعدة كبير إن لم يكن تطابقاً، فلم كل هذا؟ إن كنتم تعتبرونه تميزاً فقد ميزتكم شجاعتكم وبسالتكم، وإن كنتم تعتبرونه أسراراً عسكرية وتكتماً تقتضيه ضرورة المعركة فقد آن أوان الكلام والإفصاح ونحن على أعتاب سقوط النظام الفاجر وبداية المرحلة المدنية، وإن كان فكراً مخالفاً فاختلاف الآراء والأفكار محل خير ومظنة فائدة ولابد من التلاقي والتحاور وطرح الأفكار على مائدة البحث ليستفاد منها، وأما إن كان غير كل ما سبق فهذا يحتم عليكم أكثر أن تبينوا وتفصحوا وتشرحوا، فلستم وحدكم على الأرض، كما أن كل من حولكم محبون ناصحون.
يا جبهة النصرة .. لا تطلبوا منا – لأننا نحبكم ونحترمكم ونقدركم – أن نوافقكم وأن نسير خلفكم كالعميان، لأن هذا يخالف منطق الحق ويناقض ناموس الكون، وأيهما أفضل بالنسبة لكم؟ أعمى وراءكم يتلمس الخطى على إثركم، فيمشي خطوة ويتعثر، أم مدافع منافح يسير بجانبكم ويتطلع معكم إلى هدف أسمى وأمل منشود؟ إن الشعب السوري المصابر لم يقدم ما قدم وهو يحلم بوطن كالصومال أو بلد كأفغانستان، أبداً .. لكنه يحلم ببلد قوي عزيز غني رشيد، يكون قلعة للخير والبركة منيعة، ومنارة للإسلام عالية، وما أدرانا أنكم تشاركونا ذات الحلم، وترنون مثلنا إلى ذات الأمل؟
يا جبهة النصرة .. الغرب استهدفكم أولاً ليجعل منكم ذريعة يبتلع بها الشام كلها، وينشر فيها الخراب والدمار، فالله الله في شام الإسلام والعروبة أن تؤتى من قبلكم إذا قبلتم أن تكونوا حجة وذريعة لأعداء الإنسانية، لا نريد أن نرى القبعات الزرق تحتل البلاد وتكرس التقسيم الطائفي وهي ترفع راية مكافحة الإرهاب الكاذبة، ولا نقبل أن نرى الطائرات تجوب سماء سورية بكاملها وهي تدعي ملاحقة سيارة تقل اثنين من المشبوهين زوراً، ولا يستحق الشعب السوري بعد محنته القاسية أن يعيش حياة خوف ورعب من تفخيخ هنا واغتيال هناك، ينفذه مجرمون بحق الناس العزل فينسبه الإعلام المُسيس للتطرف الإسلامي خديعة، وكيف يميز الناس حينها الحق من الباطل؟ لا نريد صواريخاً ذكية تستهدفكم فتصيب غيركم بغباء، وهي تقتلنا وتجرحنا سواء أصابتكم أو أصابت غيركم، لا نريد سجوناً سرية ولا وكلاء استخبارات، لا نريد .. لا نريد .. لا نريد أن نراكم مضطرين لاختباء والاختفاء في الوقت الذي تحتاج فيه سورية للجميع في معارك البناء بعد معارك التحرير.
يا جبهة النصرة .. لقد تميز أهل الشام دوماً بالفكر المتجدد والذهن الوقاد والابتكار والإبداع، وما كانوا يوماً أسرى قيودِ أو حدودِ فكرٍ – اللهم إلا ما كان من حدود الشرع والعلم التي لا رأي فيها ولا اختلاف عليها -، لذلك فالمتوقع منكم يا أهل الشام من جبهة النصرة إعادة النظر فيما تخالفتم (ولا أقول اختلفتم) والناسِ عليه، ولتكن صفحة الشام تجديداً فكرياً وعملياً، وليكن حصادكم في الشام (حلواً) .. وفهمكم كفاية.
يا جبهة النصرة .. والله لو لم يكن منكم واحداً على أرض الشام لاتخذ الغرب حجة أخرى ذريعة لتدخلهم في شؤوننا، ولربما كانت هذه الحجة رجلاً يصلي أو امرأةً محجبة، فهل ترون كم هي واهية كذبتهم، فبالله عليكم لا تعطوهم الفرصة، الكرة في ملعبكم، وفرصتكم في الشام كبيرة، فلنتعاون كلنا على مواجهة المؤامرة الكبيرة التي عنوانها العريض المعلن (أنتم) وحقيقتها الخفية (كلنا)، أقول فرصتكم كبيرة لأنكم بحركة سهلة لا تتطلب منكم إلا بعض (الحنكة والذكاء والشجاعة) وعندكم من هذا كثير والحمد لله، يمكنكم أن تفوتوا على (عدونا كلنا) الفرصة، لننطلق (كلنا) يداً بيد لبناء شام رسول الله (بفترة مكية قياسية)!
يا جبهة لنصرة .. أخيراً أقول إن ثورة الشام رغم أنف الشرق والغرب إسلامية، هتفت لله .. وخرجت من المساجد .. وأعلن رجالها من أول يوم أنها لله، ولن تكون بإذن الله لغيره، وعلى هذا الأساس تدافع الشباب للشهادة، وقدم الناس التضحيات، ولم يتفق يوماً أصحاب ثورة على مبدأ عام كما اتفق أهل الشام في ثورتهم المباركة هذه، ولا عليكم بما يقال ويروج لغير ذلك – وهذا ما يرعب عدونا ويخيفه -، فلماذا إذاً تختاركم أمريكا لتبدأ بكم؟ أليس لأنها تتوقع منكم تصرفاً يمكـِّـنها من تنفيذ خطتها، وأكرر (خطتها هي تدمير كل سورية والتدخل في شؤونها) وليس أنتم تحديداً، فماذا يا جبهة النصرة أنتم بعد هذا فاعلون؟