سنتان ولم يمسكوا بالقرار وهم اليوم مضطرون إلى جنيف العبثي
تقف قوى المعارضة السورية اليوم حائرة بائرة أمام الدعوة الموجهة إليها للنزول على الأمر الروسي في الذهاب إلى جنيف 2 ( ويا كبة ياعثرة ) كما تقول العامة . لم يشأ لافروف المنتصر والذي يخرج نابيه مثل نابي داركولا وهو يعطي تعليماته : على قوى المعارضة أن تحضر جميعا وبلا شروط . وأظنهم بعد أن استسلم الأمريكي لإرادة الروسي سيضطرون للتوقيع على ما سيطالبهم الروسي بالتوقيع عليه وبعد أن يهون عليهم الطبيب النفسي الأمريكي الأمر ويزين لهم ما سيكون بعد .
كل المعلقين على مؤتمر جنيف 2 والشارحين لأبعاده وتداعياته يؤكدون أنه مؤتمر عبثي للمكر والختل والتفريط والضحك على العقول وليس فقط على الذقون . ثم يرجعون إلى أنفسهم ، كما رجع قوم إبراهيم من قبل ، فيجدون ، مجتمعين ومتفرقين ، أن القطار سيمضي بهم أو بغيرهم وأنهم مضطرون للحاق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو الدفاع عما يمكن الدفاع عنه ، أو هكذا تسول لهم أنفسهم أو تزين لهم عقولهم .
مشكلة القوى السياسية أنها لم تستطع أن تندمج بعد سنتين من الثورة في السياق الثوري ، فهي ظلت تفكر في تراتبية سكونية تقليدية تعتمد المنطق الأرسطي كما يقولون فلا هي اغترفت من إشراق السهروردي ولا هي التفت إلى الجدلي الهيغلي لتدرك أنه قد آن للنقيض أن يسقط النقيض .
وإلى جانب العطالة الكامنة في سكونية منهج التفكير الذي لا يتناسب لقيادة ثورة تتفجر بالحيوية وتغرق في الدماء ، فإن الذي يضطر قوى المعارضة أن تجري وراء كل مقطورة تنطلق عن أي رصيف خشية أن يفوتها قطار وإن لم تعلم وجهته ، هو أن قوى المعارضة خلال ستة وعشرين شهرا من عمر الثورة لم يستطيعوا أن يمسكوا بحبل أو بخيط حقيقي من خيوطها . فالذي يعلمه الجميع أن تفجر الثورة السورية المباركة كان فعلا شعبيا وطنيا عفويا أشبه بتفجر ( الفقع ) في الأرض . الظلم المعمم على كل السوريين في مدنهم وقراهم وبواديهم هو الذي جعل الثورة كينابيع الخير تتفجر في كل الأرض . وكان من المقدر أن أكثر من عامين مرا كانا كافيين، لو امتلكت القيادات السياسية القدرات اللائقة ، لمواكبة الثورة وأن تجد هذه القوى مرتكزاتها الحقيقية التي تعتمد عليها ، ومستندات قوتها في الداخل والخارج الذي يعفيها من أن تخرج على الثوار السوريين اليوم باعتذار أنها مضطرة للاستجابة لما يفرضه الروسي وبعد أن قدم الشعب السوري ربع مليون شهيد لرفضه . السؤال الأول الذي سيطرح على المستجيبين لدعوة الحوار الروسية لماذا لم يكن من البداية إذن ؟!
واضح من المشهد السياسي أن الأمريكي قد سلم للروسي بكل شيء . ولم نكن بحاجة إلى مؤتمر كيري – لافروف لندرك هذا . بل إن الحقيقة التي تنضاف إلى رصيدنا اليوم أن الأمريكي والأوربي قد سلموا للإيراني أيضا بكل شيء . إن الولايات المتحدة مستعدة لتقايض مع إيران : سورية بالملف النووي . الملف النووي وليس سورية هو الذي يثير القلق الأمريكي ؛ ومن هنا نتابع هذا البرود جراء غزو إيران وتابعها حزب الله للأرض السورية .
لم تستطع القيادات السياسية أن تمسك بخيوط الثورة ، ولا بقرارها ، وبقيت كما يقول القدريون كالخشبة الطافية على سطح الماء ، وجاء الوقت اليوم لدفع ثمن التراخي والتواكل والثقة بكل أحد والثقة بكل أحد عجز كما يقول الحكماء ..
الذي لا تحسبه القيادات السياسية جيدا هي أنها إذ تقدر أن تذهب مع واشنطن أو موسكو أو طهران أو بشار حيث لم يبق هناك فرق بين هؤلاء فإنها ستقطع بشكل أو بآخر ما بينها وبين الثورة والثوار ..
ويسأل سائل وهل من هذا مخرج والجواب أنه لا مخرج منه إذا كانت المعارضة لن تنتصر على ضعفها وعلى سكونيتها وتراتبيتها . إنها حالة تذكرك بنظام المكاتبة الذي سنه الإسلام لتحرير العبيد . فالرجل الكَل الأولى به أن يجد حائطا يلوذ به ؛ وأما إذا كانت المعارضة تستطيع أن تفجر قدراتها الكامنة ( كمون النار في الحجر ) فتقدح الحجر بالحجر لتكون قيادة ثورية لفعل ثوري وتتوقف عن الجري وراء السفراء والوزراء والخبراء . فإن باب الثورة ما زال مفتوحا ونار الثورة مطهرة تجبُّ ما قبلها والثائر الحقيقي هو الذي يجيب على دعوة لا فروف وكيري بما أجاب أبو الطيب :
ويلمّها خطة ويلمّ قابلها .. لمثلها خلق المهرية القود