أوباما: (في إيران مواهب وموارد مدهشة ) والإقليم العربي جزرة أمريكية مقابل تنازل في الملف النووي
تتعاقد إيران وغيرها من الأنظمة الشمولية القمعية مع مؤسسات دولية مختصة تحسين الصورة وتلميع الكاكي . يحرص الإيرانيون منذ عقود على تغيير صورتهم النمطية لدى الجمهور الأمريكي وصناع القرار الأمريكيين والغربيين والصهاينة منهم بشكل خاص . ويدفعون في سبيل ذلك ملايين الدولارات ، لإحداث توازن بين خطابهم الاستهلاكي المحلي والإقليمي الذي يروج لمشروعهم داخل إيران عند الشيعة المتعصبين والبسطاء ، وفي أوساط المهوسين من أبناء العروبة والإسلام وبين مصالحهم الاستراتيجية الكبرى وصفقاتهم المريبة التي يعقدونها بمكر وإحكام مع الغرب عموما والأمريكيين خصوصا للسيطرة على المنطقة والتحكم بشعوبها ولعب دور الشرطي الأمريكي فيها مقتفين في كل ذلك خطا المشروع الصهيوني ( حذوك النعل بالنعل )..
ولعل أبرز شخصية أمريكية قبلت أن تلعب دور ( المبيّض الإعلامي ) للصورة الإيرانية لدى الرأي العام الأمريكي هو الرئيس الأمريكي نفسه. لا يمكننا التكهن إذا كان الرئيس الأمريكي يقوم بهذا الدور مقابل ( عقد شخصي خاص ) مع دهاقنة طهران وملاليها كما يقوم به أي موظف دعاية وإعلان ، أو أنه يعبر فيما يصدر عنه وبشكل متواصل من ( تمسيح للكاكي الثوري الإيراني ) عن قناعة ورضى …
دفقات الغزل الأوبامي بطهران ومشروعها ورجالها وقدراتهم المذهلة ومواهبهم المدهشة فاقت حد ما يعهد صدوره عن ( الرؤساء القادة ) في حق غير أممهم وشعوبهم . ولن نتعدى الحقيقة إذا قالنا إن دفقات المديح والثناء التي ما يزال الرئيس الأمريكي يكيلها للإيرانيين في خطاباته الموجهة للجمهور الأمريكي تحديدا أصبحت مثيرة للشك والريبة بأن وراء الأكمة ما وراءها من فضائح فساد تزكم رائحتها الأنوف …
وكان آخرها ما باح به الرئيس الأمريكي لجمهور شعبه في حديثه منذ ثلاثة أيام إلى الإذاعة الأمريكية العامة : ( أن . بي . آر ) من أن في إيران : ( مواهب وموارد إيرانية مدهشة ) !!! . فهل يعقل في عالم السياسة أن نسمع رئيسا يتغزل مثل هذا الغزل بدولة أخرى يطلق قادتها على دولته وأمته لقب : الشيطان الأكبر ، ويجعلون نداء ( الموت لأمريكا ) شعارهم الأول والمفضل ؟!
إن الرسالة الأوبامية هذه ، متعددة الوجوه وهي يجب أن تقرأ في عالمنا العربي من الحكام والمحكومين بطريقة أكثر عناية وحذرا وتنبها . فأوباما يريد بمثل هذه التصريحات التي أصبحت ديدنا له أن يسوغ انحيازه السافر إلى اصطناع الإيرانيين لاستخدامهم عصا غليظة ضد شعوب المنطقة مقابل التمكين ( للمشروع الإيراني ) بأوجهه المختلفة . ولاسيما فيما يجري في العراق وسورية واليمن .
وإنه حين يقول أوباما إن في إيران مواهب وإمكانات مدهشة فكما أنه يسوغ من ناحية أولى انحيازه السافر للإيرانيين فإنه من ناحية أخرى يسوغ انصرافه عن حلفاء تقليديين للولايات المتحدة ، قد قرر أن يخذلهم ، ويلتمس لنفسه العذر في أنه يفتقد لديهم هذه المواهب وهذه الإمكانات . والمقصود بالطبع حكام دول عربية ربطت عربتها عبر عقود بالحصان الأمريكي ، بينما ظلت كل القوى الشعبية العربية الصادقة ودائما تحت قوس الحرب الأمريكية المباشرة وغير المباشرة . السؤال الذي يطرح مباشرة على العقول والقلوب هل كانت الولايات المتحدة ستسمح بقيام ميليشيا سنية مثل ميليشيا حسن نصر الله في لبنان … ؟!
لا ندري ما هي حقيقة (المواهب والإمكانات الإيرانية المدهشة )التي شغفت الرئيس الأمريكي حبا ؛ هل هي في مراعاة نظام الملالي في طهران لمبادئ حقوق الإنسان ؟! أو في قبولهم الاعتراف بالآخر الإيراني الديني أو المذهبي أو العرقي ؟! في القرن الحادي والعشرين لا يوجد مسجد واحد للمسلمين في طهران ، حتى تضطر الجاليات المسلمة لأداء شعيرة الجمعة في كراجات السفارات !!. هل لمس الرئيس أوباما المواهب المدهشة في اللطميات الإيرانية التي تساق إليها الجماهير المسلوبة فتسيل فيها الدماء وتزهق المهج ؟! هل المواهب المدهشة التي سلبت لب الرئيس أوباما هي في عملية تزوير الانتخابات أو في عملية قمع المتظاهرين السلميين في حركة الاحتجاج على تزوير الانتخابات ؟! أو أنها في تغذية ملالي طهران لغرائز التعصب الطائفي المقيت في كل من العراق وسورية ولبنان والبحرين واليمن وفي كل أنحاء الأرض العربية والمسلمة ؟!
ندرك وبدون ريب أن المواهب الإيرانية التي تدهش الرئيس أوباما ، ولا تدهشنا ، هي قدرات ملالي طهران الزئبقية غير المحدودة على ازدواجية المواقف والسياسات التي تمارس تحت عنوان ديني أكثر منه سياسي ألا وهو ( التقية ) الشيعية التي تجعل لكل كلمة يقولها سياسيو إيران ظاهرا وباطنا ومطلعا ومستقرا . ولعل أيضا من المواهب الإيرانية التي أدهشت الرئيس أوباما هي قدرات الملالي وأتباعهم على لعب دور ( سوس الخشب ) الذي ظل على مدى أربعة عشر قرنا ينخر أديم الإسلام وحقيقة المسلمين .
ولكن الأخطر في حديث أوباما على الإذاعة الأمريكية العامة ( أن بي أر ) كما نقلته جريدة الحياة اللندنية في 30 / 12 / 2014 هو الصفقة التي يعرضها أوباوما على إيران والتي تتمثل في دعوة للتصالح مع الولايات المتحدة والغرب بالتنازل في الملف النووي الإيراني مقابل أن تجعل أمريكا من إيران والتعبير مقتبس من كلام أوباما نفسه ( قوة إقليمية ناجحة جدا …) وبالطبع فإن أوباما لم ينس أن يبشر بإمكانية إعادة فتح السفارة الأمريكية في طهران ..
إن الوعد بجعل إيران قوة إقليمية ناجحة جدا هو من جهة أخرى وعيد مباشر لدول وشعوب المنطقة التي والذين ستتسيد عليهم إيران ، وستقوم بضبطهم أو سوقهم أو الهيمنة والاستحواذ عليهم .
ومع إدراكنا لحقيقة ما تمر به المنطقة العربية من تهتك حقيقي ، فكلمة تشرذم لم تعد تعبر عن الحال ، ما بين شعوبها وقواها وبين أنظمتها وحكامها من تناقضات فإن هذا الوعد والوعيد الأوباميين يتطلبان من كل العقلاء قراءة جادة لمعطيات الموقف تعين على العبور بالعقيدة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والذات إلى بر الأمان …